الرياض – حسنة القرني صالح العقاري: غياب الصحافة الساخرة لم يحد من وجود فني المقال والكاريكاتير الساخر محمد عابس: العقلية العربية ترفضها في الضوء وتبحث عنها بأسماء مستعارة نجم الشامان:الصحافة الهزلية تحتاج لحرية إعلامية تعتمد الصحافة الهزلية في عملية التوصيل للناس على تشخيص المحاسن، وتمثيل القبائح بلغة ساخرة ومحببة للناس، ومن مميزاتها احتواؤها على اللغة الرمزية التي من شأنها أن تعيد توليد النص مرات عدة، في قالب نقدي ساخر قريب من النفس. وشهد الواقع العربي على ظهور هذه الصحافة، كما شهد على أفولها في كل من العراق وتونس، وغيرها من الدول العربية. وعرَّف لنا رسام الكاريكاتير صالح العقاري الصحف الهزلية بقوله «هي الرمز المختصر الراسخ لتناول القضايا بشكل مباشر، أو غير مباشر، وبلغة مفعمة بالسخرية الهادفة التي لا تتناول مسألة الإضحاك لمجرد الإضحاك»، مرجعاً سبب غياب هذا النوع من الصحافة إلى «عدم وجود دعم من المسؤولين عن الصحف بهذا الفن الراقي الراسخ»، مشيراً إلى أن «غياب السخرية عن الصحافة بشكل عام لم يؤثرعلى وجودها في فني المقال والكاريكاتير»، ضارباً مثلاً بمقالات الكاتب السعودي خلف الحربي، التي تحتوي على قدر كبير من السخرية من باب «السهل الممتنع». وقال «فن الكاريكاتير هو الأبرز حتى الآن، كما أنه يقوم بهذه المهمة بكل اقتدار». وعن توقعاته المستقبلية للصحافة الساخرة، أكّد على نجاحها في حال ظهورها، لأنها صحافة قابلة للتطور والازدهار بشكل سريع، لأنها تعتمد على فهم القارئ». وحول هذا الموضوع، أوضح مديرعام الإعلام والنشر بوزارة الثقافة والإعلام ، الشاعر والإعلامي محمد عابس بأن «الصحافة في أصل نشأتها اهتمت بالأخبار، ثم المواد الرصينة، وبخاصة الأدب والمقالات، ثم توسعت بعد ذلك لتشمل مختلف التوجُّهات والتخصصات»، مؤكِّداً على وجود «السخرية النقدية في السابق وذلك عند عدد ليس بالقليل من الكتَّاب العرب في عدد من الصحف الشهيرة، ليأتي بعد ذلك فن الكاريكاتير ليغطي مساحة مهمة من هذا الموضوع». ويستطرد معرفاً الصحافة الصفراء بقوله «هي ذلك النوع الذي يبحث عن الفضائح والمشكلات بالكلمة والصورة، ويطارد المشاهير، ويعتمد على الإثارة المجرّدة، وأنماط مختلفة من السخرية والاستهزاء»، مشدِّداً على بقائها في خانة «الصحافة غير الرسمية، أو غير المتزنة كما أسماها منوهاً ب»عدم الاعتماد عليها»، ومستثنياً من ذلك ما يرتبط «بإطارها الشعبي». وعن وجود السخرية والنكتة والهزل بشكل عام في مجتمعاتنا العربية، أكَّد عابس على وجودها في «المجالس الخاصة»، مصنفاً أجزاء كبيرة منها ضمن قائمة المسكوت عنه الذي تغلّفه بحسب رأيه منظومة العيب والحرام والتقليل من القيمة والرصانة»، جاعلاً ذلك من الأسباب التي ساهمت في إحباط وفشل بعض التوجُّهات التي قامت بها بعض الصحف والمجلات، والتي تمثَّلت بحسب قوله في إدراج صفحة أو أكثر ضمن تبويبها تعتمد على النكتة والهزل والسخرية المغلّفة، مبرراً سبب استخدامها «بالتسويق وجذب القراء»، ومنبهاً على «عدم استمرار هذه الصفحات لأسباب يصعب حصرها لاختلافها من بلد إلى آخر». ولفت عابس النظر إلى اهتمام الأدب العربي بمسألة الإضحاك، فهو كما يقول «مليء بالمؤلفات التي اهتمت بهذا الموضوع، سواء بالكامل، أو باباً أو أكثر ضمن هذا الكتاب أو ذاك»، جاعلاً من هذا الاهتمام سبباً في ظهور (العيَّارون)، وامتهان البعض للإضحاك كمصدر للرزق. وهناك محاولات متواضعة قامت بهذا بعض مواقع الإنترنت، ولكن لم يكتب لها النجاح بسبب غياب الدعم المادي، وعدم إقبال المعلنين على مثل تلك المواقع، فالناس تطلب هذا النوع من الكتابات وتبحث عنه، ونظراً لغيابه في الوقت الحاضر تستعيض عن ذلك ب»بالمحادثات وغرف البالتوك، والبلاك بيري، ومواقع التفاعل الاجتماعي فيسبوك، وتويتر، طلباً للاستماع ومشاهدة ومتابعة التعليقات الهزلية والنكت والأساليب الساخرة». لكن ذلك حسب رأيه ليس كافياً لإنجاح أي تجربة ورقية، أو عبر الوسائط الأخرى، مبرراً سبب ذلك ب»العقلية العربية التي ترفض السخرية في الضوء وتبحث عنها بالأسماء المستعارة في الخفاء»، نافياً أن يكون لحرية الإعلام أي سبب في عدم انتشارها، فمسألة الحرية الإعلامية نسبية من بلد إلى آخر، وما يمنع هنا يجاز هناك، عدا أن حرية الصحف الإلكترونية واسعة، ومع ذلك لم نجد الصحافة الهزلية الساخرة ذات حضور بارز». من جهته، أكَّد مدير تحرير صحيفة «شرفات الشام» نجم الدين السمان «أن فكرة إصدار صحف ساخرة يعد أمراً ضرورياً، لكنه يحتاج إلى فسحة من الحرية لم تتوافر عربياً حتى الآن»، واستدرك «أن الشعوب العربية وإن طلبتها الآن لن تقبل بها مستقبلاً إذا وجّه لها الانتقاد الساخر»، مؤكِّداً على صدور عدد من الصحف الساخرة، بشكل متوالٍ في العشرينيات من القرن الماضي، وجميعها حسب قوله لم تدم طويلاً»، معترفًا بأنه قد راهن في وقت سابق على صحيفة الدومري الساخرة التي ساهم في تأسيسها، ولكنها للأسف لم تستمر سوى سنة واحدة». محمد عابس