كثيراً ما تناولت الصحف خلال الفترة الماضية ظاهرة الكتاب الرقمي وزوال الورقي، ومثل هذه الشكوى ظلت قائمة مع كل ما هو مطبوع على الورق، مقابل التقنية الجديدة. لكنني لا أستطيع حتى الآن الاقتناع بالكتب الرقمية، حتى قرأت دراسة نشرت في مجلة التايمز عن الكتاب الرقمي والذاكرة، مؤكدة أن الكتاب الرقمي لا يعلق في الذاكرة. دعنا نعد بالذاكرة عشرين عاماً للوراء، حينما لم يكن للحاسوب مكان بيننا، ومتعة الكتابة بالقلم والتغزل في نوع الحبر الذي يسيل على الورق الأبيض محولاً الإبداع لمخطوطة تبحث عن ناشر. اليوم وقد أصبح «الأمي» هو الذي لا يستخدم تقنية الحاسب أو مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة، وأصبحنا نجد كبار الكتاب يتسابقون لأن يتركوا بصمة لهم على تلك المواقع، لكنهم لم يتركوا الكتابة على الورق، والقراءة أيضاً، كما نلاحظ بأن نسبة الجرائد التي تباع لم تتغير في مؤسسات التوزيع خلال العشر سنوات الماضية، بل العدد في ازدياد وليس في تناقص، مع ملاحظة أن قارئ اليوم يختلف عن قارئ الأمس. وكذلك الدخل الذي يأتي من خلال معارض الكتب، وتسابق دور النشر على الكتاب الجيد بدلاً من الرديء لتكسب من خلاله آلاف الدولارات. وعودة على الدراسة التي أشرت إليها وتؤكد على « أن الدراسات تشير إلى أن الكتب الورقية قد تكون أفضل إنْ كان الهدف الاحتفاظ بالمعلومات لوقت أطول»، وهذا ما يجعلك تتمسك بأن يظل الكتاب بين يديك فتعلق رائحته في جسدك، وعقلك، وربما تتلوث يدك من خلال الحبر المستخدم في طباعته. لكنك بدون قلم تستطيع من خلاله وضع إشارتك على الحروف التي كانت أكثر دهشة أثناء تناول الكتاب، وتسجيل ملاحظاتك على هوامش الكتاب، لا يمكن لهذا الكتاب أن يرسخ في ذاكرتك. لذا أجدني ضد فكرة الكتاب الرقمي الذي استطعت أن أجمع منه ما يزيد على ألف كتاب لكنني لا أذكر حتى العناوين المخزنة في الحاسوب، بينما أستطيع تذكر موقع الكتاب الذي اشتريته قبل خمسة أعوام وفي أي رف أجده في مكتبتي.