ثبتت صحة مقولة أصحاب الرأي بأن العراق سيدور رغما عن أنفه في فلك الأزمة السورية المتجهة نحو التدويل، مثلما يراد لها من قبل أوساط معارضة لنظام الحكم البعثي القائم في دمشق منذ أكثر من 40 عاما، وهو ما ترغب به أيضا أطراف إقليمية ودولية. مرددو هذه المقولة التي باتت تتكرر باستمرار من على المنابر الإعلامية، وجلهم من النواب والساسة المقربين من الحكومة أو محللي الشأن السياسي، أكدوا إن الساحة الداخلية لبلادهم ستتأثر حتما بما يحصل في جارتهم العربية، سواء وقفت بغداد إلى جانب دمشق أم ضدها.
ياسين مجيد:الحكومة تنطلق من المصلحة الوطنية العليا أحدث تلك التصريحات “التحذيرية” جاءت على لسان، ياسين مجيد النائب عن كتلة “دولة القانون” التي يتزعمها رئيس الوزراء نوري المالكي، عندما أكد أن كتلته النيابية تتابع بقلق بالغ وشديد ما يحدث في سوريا، وقال مجيد وهوأحد الساسة المقربين من المالكي، في مؤتمر صحافي عقده “صقور” كتلته النيابية أمس في مبنى البرلمان، بلهجة قاطعة إن “العراق سيكون الدولة الأولى المتضررة مما سيترتب عليه الوضع في سوريا مستقبلا”، وفي محاولة منه لإبعاد شبهة الاتهامات الموجهة لحكومة بلاده ومن ورائها كتلته النيابية بشأن ما يقال بأنها اتخذت المسار الإيراني بشأن الموقف العربي مما يحصل في سورية، أوضح المستشار الإعلامي السابق للمالكي، أن “رؤية كتلته والحكومة تنطلق من المصلحة الوطنية العليا والأمن القومي العراقي بعيدا عن الحسابات السياسية”، وأضاف بهذا الصدد، أن “هذه الرؤية منعتنا من الوقوف في اصطفافات إقليمية ودولية، وزادت في قناعتنا منها سياسة الكيل بمكيالين التي كانت ولا تزال تطبقها قوى عالمية وبدأت الجامعة العربية بتطبيقها أيضا بعد أن كانت تعيب ذلك وتنتقده في السابق!”.
الناصر دريد: الوضع في سوريا سيؤثر على العراق قرار “الامتناع العراقي” والتحليق خارج السرب العربي الذي أجمع على ضرورة معاقبة سوريا، شكل صدمة للمجتمع الدولي في أول اختبار إقليمي لنظام الحكم في العراق الجديد الذي أريد له أن يكون تجربة ديموقراطية تستفيد منها دول المنطقة. تتناغم تصريحات النائب العراقي، في حيثياتها مع ما تورده دوائر التحليل السياسي من مخاوف يتواتر الحديث عنها في أوساط عدة، إذ يقول الناصر دريد أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين: إن “ما تشهده سوريا سيؤثر بطريقة أو بأخرى على العراق الذي لا تزال أوضاعه غير مستقرة رغم مرور 9 سنوات على تغيير نظام الحكم فيه”، ويضيف “خير دليل على ذلك هي الانقسامات في مواقف الكتل السياسية الرئيسية من موقف الحكومة الذي امتنعت فيه من التصويت على قرار جامعة الدول العربية القاضي بتعليق عضوية دمشق في مجلس الجامعة وسحب السفراء العرب منها”، ويسود في أوساط المراقبين اعتقاد لا يقبل الشك من قبلهم، مفاده أن ما تشهده الساحة العراقية من تفاقم للأزمات الداخلية، لم يأت من فراغ وإنما جاء كنتيجة طبيعية للارتدادات الاهتزازية الناجمة عن زلزلة الأحداث في سوريا، فضلا عن ردود الفعل الصادرة عن أطراف داخلية وخارجية، نددت ولا تزال بموقف بغداد الرسمي الذي اعتبر داعما للقيادة السورية، على حساب المعارضة السلمية التي تحولت إلى مسلحة في بعض مناطق الاحتجاجات السورية.
سعد سلوم: الأزمات العراقية تتزامن مع الأزمة السورية. ومنذ انطلاق الانتفاضة الجماهيرية في سوريا لا زال العراق بطابعه الرسمي يقف إلى جانب نظام الحكم هناك، مما جعل العلاقة بين البلدين على أحسن ما يرام، مع استثناءات تمثلها بعض القوى السياسية، العراق الذي يعيش في عزلة عن أشقائه العرب منذ غزو النظام السابق للكويت 1990وفرض الحصار الاقتصادي عليه لمدة 13عاما، لم يتحرر من طوق عزلته بعد عام 2003 ، لكن “ربيع ثورات المنطقة جاء ليعيد وضعه على الخريطة العربية مجددا”، كما يرى سعد سلوم الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي. ويقول سلوم ل(الشرق): إن “أبرز المشاكل العراقية المحتدمة التي وقعت تزامنا مع استمرارية الأزمة السورية، هي مشكلة الأقاليم وإعلان بعض الحكومات المحلية محافظاتهم أقاليم مستقلة إداريا واقتصاديا عن الحكومة المركزية”، ويضيف “كذلك حملة مطاردة البعثيين السابقين المتهمين بزعزعة الأمن والاستقرار وما خلفته من تجاذبات سياسية، فضلا عن قضايا خلافية تجدد بين الحين والآخر بين أربيل وبغداد حول ملفات النفط والحدود الإدارية لمناطق عليها إشكاليات جغرافية”، لكن بوادر هذا التأثر التي صنفت على أنها “الأكثر خطورة” قياسا إلى بقية المشاكل الداخلية الأخرى، تتلخص في ما يتواتر من أحاديث عن مخططات تنفذها أطراف محلية بإيعازات خارجية للإطاحة بالمالكي بسبب موقفه المؤيد للرئيس السوري بشار الأسد، أو تلك التي يزعم فيها مطلقوها وهم من المقربين للسلطة، عن مؤامرة مدعومة من الخارج لقلب النظام السياسي القائم في البلاد منذ إبريل 2003 أزمة سوريا | العراق | المالكي