يخطئ من يختزل أهمية مشروع الابتعاث في الحصول فقط على الشهادة الجامعية. التجربة الأكاديمية للمبتعث هي وجه واحد من أوجه التجربة التي يخوضها الدارس في الخارج. لكن ثمة أوجها أخرى لا تقل أهمية عن حصول المبتعث على الشهادة الأكاديمة! المبتعث الذي يعزل نفسه عن الحياة في المجتمع الذي يدرس فيه ويختزل رحلته في مكتبة الجامعة وقاعاتها الدراسية إنما يعيش، في غربته، تجربة ناقصة. ننتظر من مبتعثينا فهم الثقافة الجديدة التي يعيشون بين جوانبها؛ يفهمون تاريخ البلد الذي يدرسون فيه، يستوعبون ثقافة أهله السياسية، حواراته الفكرية، طريقة تفكيره ورؤاه للمستقبل. كثير من طلابنا يسافر للدراسة في الخارج بجسده لا بعقله. تراه أسيراً في نظرته للمجتمع الجديد الذي يعيش وسطه لنظرته القديمة التي نشأ عليها من دون تمحيص أو إعادة قراءة. يعيش أربع سنوات أو أكثر في الخارج ثم يعود بمفاهيم أكثر انغلاقاً – وجهلاً – حول البلاد التي درس بها. يحيط نفسه دوماً بزملاء وأصدقاء من بني جلدته. لا يقوى على تكوين دوائر جديدة من الزملاء والأصدقاء من ثقافات وتجارب مختلفة فيعود لوطنه فقط بشهادة أكاديمية كان ممكن أن يحصل عليها بالمراسلة أو عبر فرع لجامعة أجنبية في بلاده. أنا لا أطالب المبتعث أن يُغرم بثقافة المجتمع الذي يدرس به. لكنني أحثه أن يفهمها. يجيد لغة أهلها. يقرأها جيداً. يفكر في الأسباب التي صنعت لأهلها حضارة. التخصص الأكاديمي وحده لا يكفي. وزملاء الدراسة والأصدقاء من «عيال الديرة» قد يشكلون «جدار برلين» بين مبتعثينا وبين الثقافة الجديدة التي يعيشون بين أهلها. حينما تتعامل مع «الآخر» بجهل فأنت لا تظلمه فقط لكنك أيضاً تظلم نفسك!