عرَّف الروائي والقاص غسان كنفاني الأدب الساخر بقوله «إن السخرية ليست تنكيتاً ساذجاً على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعاً خاصاً من التحليل العميق. إن الفارق بين النكتجي والكاتب الساخر يشابه الفرق بين الحنطور والطائرة، وإذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية يُضْحِي مهرجاً». وبرزت عربياً أسماء ساخرة عديدة، كمحمد الماغوط، وزكريا تامر، ومحمود شقير، وأحمد قنديل في السعودية. كما برز في هذا المجال أيضاً الكاتب التركي عزيز نيسين، الذي قدَّم «مزحة الحمار» المجموعة القصصية الساخرة. وبعد هذه المجموعة، ظهر خبر في السعودية تناقلته وسائل الإعلام المختلفة حمل عنوان «مزحة وجبة الحمار»، ولكنه لم يكن لمجموعة قصصية، إنما كان لحادثة حقيقية حدثت في منطقة جازان، حيث أكَّد المتحدِّث الأمني بشرطة جازان بأن شرطة صامطة تلقَّت بلاغاً مفاده بأن مواطناً من قريتهم دعاهم إلى تناول وجبة «حمار»، وفرَّ هارباً. واعترف بذلك -حسب الخبر- عامل المزرعة الذي قام بذبح الحمار، وشاركه كفيله في إعداده لتقديمه للضيوف كنوع من الممازحة. وأدرج بعضهم هذا الخبر في موقعه الإلكتروني ضمن الأخبار الطريفة!، متجاهلين بذلك الواقع المرير الذي أفرزه وجعل من لحم الحمار مادة للسخرية. فإن كانت «مزحة الحمار» لعزيز نيسين تعتمد على السخرية اللاذعة من مشكلات عامة ك»الواسطة، ومستوى الرفاهية، والتطور، والاحترام»، فإن هذه المزحة بلحم الحمار جاءت لتحاكي بعض أوجه الفساد في السعودية، كما جاءت لتعبر عن بعض المشكلات والآلام التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ولاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة. وكانت البداية في عام 2009م، حيث بثَّ التلفزيون السعودي عبر قناته الإخبارية في برنامج «نوافذ» معاناة امرأة محتاجة تجلس عند باب إحدى الجمعيات الخيرية، ولا تجد ما تطعم به نفسها وبناتها الخمس، بالإضافة إلى زوجة ابنها وجميع أحفادها الذين يبلغ عددهم اثنين وعشرين حفيداً، وجميعهم أطفال، لتعلن أمام الملأ صراحة احتياجها لما يسكت جوعها، وكل من تعول، ولو بلحم حمار يعطى لهم فيأكلوه. ليبقى السؤال: ما قيمة انتسابها للجمعية الخيرية، والتي من صميم عملها تقديم المساعدات للمحتاجين من خلال لجان بحث تقوم ببحث الحالات المستفيدة علماً بأن إيرادات الجمعيات الخيرية تقدّر بحسب تصريح مدير عام الجمعيات والمؤسسات الخيرية بوزارة الشؤون الاجتماعية مشوح بن عبدالرحمن الحوشان بملياري ريال سنوياً، والتي تردها من تبرعات وزكوات رجال الأعمال، ما يعلن عن التقصير بالرغم من الدعم. وتمضي الأيام في السعودية ليظهر لحم الحمار مجدداً عام 2010م، ولكن هذا المرة ليس كأمنية تحمل مأساة، إنما كوجبة تُعد من لحم الغنم والحمير، وتقدَّم للمسافرين بأحد المطاعم، وذلك على طريق الرياض – القصيم، حسب الخبر المصور الذي نشر في عدد من المواقع الإلكترونية، ولأن العقاب لم يكن كافياً من قبل الجهات المختصة التي باشرت الحادثة، أصبح لحم الحمار يقدَّم للمسافرين على الخطوط السعودية في العام الذي يليه (2011م)، وصرَّح بذلك مسؤول في قطاع التموين أ. عبدالله البعبع على قناة خليجية في برنامج «يا هلا»، حيث قال «أكَّدت الاختبارات في حالة اشتباه، وهي قريبة جداً في مواصفاتها من لحوم الحمير»، وكانت هذه الإفادة حسب تصريحه للدكتور هيثم محمود مدير الجودة والنوعية وسلامة الغذاء في مصر، الذي كان يتحدَّث عن لحوم دخلت مصر من تونس في التوقيت ذاته الذي دخلت فيه للسعودية من تونس!. وعلى الرغم من هذا التصريح، وتتابع الأخبار حول هذا الموضوع ظل الأمر على ما هو عليه حتى كتابة هذا السطور، لتظهر في سماء اليوتيوب أغنية راب للفئة الفالة بعنوان «لحمة حمار»، تعكس مشكلة الفساد بلغة شبابية سريعة. ليبقى الفساد والتقصير حاضراً ومستساغاً حتى وإن تمَّ اكتشافه كلحم الحمار، الذي أصبح ثيمة للسخرية والاستخفاف بالناس، وصوتاً مسموعاً للفساد والتقصير، بشكل تبادلي بين المواطن وبعض الجهات المقصرة. وكأن الحمار هو الذي ينظر إليهم وينهق، فهل يجدي أن نتعوَّذ بالله كي يفرَّ المفسدون!