لم تمنع السنوات المائة من طموح الشيخ فاوجا سينج (Fauja Singh) من الدخول في ماراثون السباق في تورنتو على الرغم من إصابته بضمور عضلي؛ فنجح في 16 أكتوبر من عام 2011م في إتمام ماراثون مدينة تورنتو الكندية التي أخذت منه جهدا استغرق ثماني ساعات و25 دقيقة و16 ثانية. وفي هذا عزاء لكبار السن أن يفهموا سر الشيخوخة أنها الصيرورة أي الشعور بأنهم لا يفعلون شيئا وينتظرون الموت. لقد بقي (بيكاسو) الرسام يكمل لوحاته حتى آخر لحظة، وبنى (سنان) التركي قبب المساجد العثمانية وتزوج وأنجب وقد تجاوز الثمانين. واستمر الكاتب الساخر (برنارد شو) البريطاني يطلق نكاته حتى آخر نفس. وتابع (نيلز بور) الدنمركي أبحاث الذرة وهو شيخ طاعن. وقاد يوسف ابن تاشفين المرابطي معركة الزلاقة ضد الأسبان وانتصر عليهم وهو في عمر الثمانين، وقلده (عمر المختار) الليبي الذي صعد لحبل المشنقة الإيطالية في نفس العمر. واستمر (ميشيل دبغي) جراح القلب الأمريكي يمارس مهنته حتى سن 99 عاما. الشيخوخة ليست عشي البصر وطقطقة المفاصل واهتراء الذاكرة بل عيش الحياة بامتلاء. الرب يمنح الحياة وهو يأخذها، ونحن كما يقول الفيلسوف (ابيكتيتوس) ضيوف على مائدة الرحمن إن انتهت انصرفنا بأدب وشكر. والآن ما هي الشيخوخة وكيف تقاس؟ هل هي العمر الفيزيولوجي أم النفسي؟ أما العضوية فتسم الشيخوخة بثلاثة مظاهر سريعة: المفاصل والعيون والذاكرة، فأما المفاصل فتبدأ بالألم والطقطقة والتنكس، وأما العيون فتجف المدامع ويظهر الماء الأبيض والأزرق وتتكثف العدسة وتبدأ مشكلات الرؤية من الذباب الطائر والعتمات، وأما الذاكرة فتشتد الذاكرة البعيدة فهي حديد، وتخف القريبة فيبدأ الوسواس الخناس، وهناك من إذا خرج من البيت عاد إليه ليتفقد موقد النار وصنابير المياه وهل الباب مغلق؟ إن حديث البيولوجيا مع تقدم العمر واضح لا يحتاج إلى ترجمان؛ فالقلب يضخ ب 75 % من طاقته مع الشيخوخة، وتنكمش الرئتان إلى 40 % من بث النفس، وتتراجع قوة قبضة اليد إلى 55% من بطشها. وينكس وزن الدماغ إلى 56 % من كتلته. وتتراجع حليمات الذوق إلى 36% من طعمها فلا يتلذذ المسن بطعام أو يهنأ بشراب. وتتراجع الطاقة الجنسية بشكل حاد مع سن ال 48 مع الرجال، وهو سن اليأس عند الرجال، كما كان انقطاع الطمث عند المرأة إيذانا بدخول مرحلة جديدة، من هبات عاصفة الضهي، وتغير السن من الشباب إلى الكهولة فالشيخوخة. وسبحان الباقي الذي لا يحول ولا يزول.