الموت هو توقف الصيرورة، والشيخوخة هي توقف العطاء، ولو كان الفرد شابا يافعا حين يشعر أن ليس ثمة ما يفعله! وكذلك الشباب فهو عمر الإنتاج؛ فإذا بقي الإنسان منتجا حتى سن التسعين بقي شابا. هكذا عاش يعطي (علي الطنطاوي) في الأدب والدعوة، و(نيلز بور) في الفيزياء، و(ميشيل دبغي) في جراحة الأوعية، و(هانس بيته) في الطاقة، و(برنارد شو) في الفكاهة، و(بيكاسو) في الرسم، و(بن تاشفين) في الحكم والحرب، و(عمر المختار) في الجهاد. و(سنان) التركي في هندسة المساجد والقناطر العثمانية. كلهم عاش وعمَّر ومنهم من تزوج من جديد وأنجب، وكانت حياته مملوءة بالعطاء. قالت مجلة در شبيجل عن سر التعمير أنه ثلاث: القراءة والمشي وممارسة الحياة الزوجية الجنسية. في كثير من الأحيان أقوم برسم صورة، وضرب مثل، لموظف يكدح، أو طبيب يعمل. ماذا تقول لو قمنا بعملية قطع عمرك لمدة عشرين سنة (نظريا بما يشبه منشار العمر) ثم أعطيناك رواتبك وأتعابك ضربة واحدة ماذا تقول؟ أظن أن عدد الذين يوافقون على نشر عمرهم وتقصير آجالهم (أكرر نظريا) وإعطائهم المال لن يكون قليلا، ولكن هذا يحمل في تضاعيفه أن الكثير من الناس يعيشون من أجل ألا يعيشوا؛ فيموتوا قبل الموت ويعيشوا بتفاهة وروتين قاتل، ولكن لماذا؟ كان المسيح يكرر لمن حوله: الإنسان لا يعيش بالخبز وحده بل بالكلمة أي حياة الروح، ولكن معظم الناس لا يعلمون. عدد الذين يصابون بالبلادة والسطحية ليس قليلا بسبب عدم تجدد الحياة. نحن نعلم أن الماء إذا ركد أصيب بالأسن والعفونة، وتكاثرت فيه البعوض، وجلبت معها الأمراض. كذلك الحياة الاجتماعية، ومنه فقد رأى بعض الفلاسفة أن الثورات والحرب هي تجديد للحياة الإنسانية كما في نزف المرأة في الحيض؛ فهي أفضل من الرجل في هذا الصدد، بسبب تجديد خضاب الدم عندها. ومنه اكتشف العلماء أن المرأة تعيش في المتوسط أكثر من الرجل بسبع سنين عددا.ومنه أنصح من حولي – وربما أخطأت أنا في هذا حين بقيت في محطة 18 سنة بتبديل مكان العمل كل خمس سنين، وربما أيضا المنزل، وهو ما يفعله أهل كندا؛ فترى العائلة تبدل مكان إقامتها كل بضع سنين، وتنتقل البيوت مهما كانت فارهة من يد إلى يد. وفي يوم طلب (مشرف برويز) من جماعة التبليغ في باكستان أن يتسلموا الحكومة حتى تصلح من الفساد، قالوا له: ندلك على ما هو أفضل فلا ننافسهم ولا نخطف وظائفهم، بل نجدد حياتهم فيعودوا أزكى وأقرب رحما، أرسلهم معنا من حين لآخر للخروج في سبيل الله، وهي عادة يقومون بها يتنقلون أثناءها بين المساجد ويعظون العامة ويعلمون الجاهل ويصلحون الضمير ولا يقربون السياسة.