تعد النرجسية (Narcissism) منحى قد يكون خطرا حينما يصيب ثقافة ال»أنا» فالقيمة المتعالية التي تستوطن عقل المثقف تجاه ثقافة الآخر تفرض عليه أن يكون إقصائيا بدرجة كبيرة وبالمقابل فإن الآخر يستهجن هذا السلوك باعتباره سلوكا غير لائق ويحط من الانتماء الثقافي بشكل عام. غالبا ما يفرض المثقف النرجسي سلطة الاعتداد بالذات وعدم الاعتراف بالآخر، وهذا قد يولد انفصالا بين ذوات المثقفين، وبالتالي انفصالا كبيرا عن مفاهيم الثقافة وموروثها الذهني والتراكمي الطويل، وقد يؤسس لمرحلة تتأزم فيها كل الأنساق التي أصدرها المفهوم الحقيقي للثقافة. إن ال»أنا» الطاغية المتمردة لا تكتفي بإلغاء الآخر، بل تنهض على عدم الاعتراف بمنجزه الثقافي كنوع من تطميس حقيقته ومصادرته، مما يوهم المتلقي بأن هذا المنجز هو مجرد استقراء فاشل في جسد ثقافتنا، وهنا تكمن هيمنة الاستعلائية بوصفها هي الأخرى سلوكا تُلقي برهنة كل أنموذج حقيقي للثقافة. كيف يتخلص المثقف من نرجسيته؟ النرجسية بطابعها العام هي لوثة تنبئ عن تفخيم ال»أنا» بشكل مفرط، أو كما يقول فرويد: «إن النرجسية هي المرحلة التي ينتقل فيها الحب العام إلى حب الذات المبالغ فيه». وعلى مر التاريخ من يستطع التخلص من نرجسيته فهو استثناء، فليس من السهولة بمكان أن يتنازل المثقف عن نرجسيته فهذا السلوك في نظره يمثل له سلطة على الآخرين، وإن كانت له تبعاته المتمثلة في نشوء الصراع الثقافي الذي طالما شهدناه في ساحتنا العربية والمحلية بين كتاب كبار يقودون مشروعا ثقافيا، لكن بات من غير السليم أن يتم التنازل عن هذه ال»أنا» المضطربة لأن ذلك يقلل من شأن ذاته المنفوخة.