لم ننجح في الكتابة للأطفال، لأن الطفل فينا يُقتل قبل بلوغ سن البلوغ، نتحول إلى رجال ونساء ونحن في العاشرة، وأحياناً قبل هذا العمر بكثير، نتحمل مسؤولية أنفسنا، وآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا ونحن أطفال. كان عمْر ابني ثلاث سنوات تقريباً حين سافر إلى الجزائر أول مرة، وطبعاً طبيعة الشعب الجزائري تختلف عن طبيعة الشعب اللبناني كثيراً، في لطافته. كان جائعاً فوضعت في يده قنينته “البيبرون” المليئة بالحليب في انتظار وصول حقائبنا، فإذا بأحد رجال شرطة المطار يقف أمامه، ويخاطبه بمزاح ثقيل جداً “ارمِ البيبرون أنت رجل”، ثم نظر إليّ وخاطبني معاتباً وكأنه زوجي أو أبي “ألا تخجلين من نفسك، تنجبين رجلاً، وتتركينه يمص قنينة كالأطفال؟”، بالطبع أجبته بلطف تفادياً لغضبه، وانفلات أعصابي كوني أنا الأخرى جزائرية و”دمي حامي” مثله.. لكن في ذلك الصيف نفسه صدمت بأشياء كثيرة، فالجارة رفضت أن ترسل ابنتها ذات الثلاث سنوات لتلعب مع ابني، لأنه “رجل”، وإحدى صديقاتي أرسلت ابنها ذا الخمس سنوات ليشتري لها الخضر والفواكه، كتبت له ورقة، ووضعتها في يده، وخرج من البيت كالرجال، وقطع شارعاً، وأنا جامدة على الشرفة أراقبه، سلّم على البقال، وصافحه، وراح يتصرف كرجل..! السؤال أيها السادة: كيف لشخص لم يعِش طفولته أن يكتب للأطفال؟ رجاء توقفوا عن الشكوى.. وامنحوا أطفالكم فرصة ليعيشوا طفولتهم.