هل يفقد الوالدان صفة الأمومة والأبوة عندما يتقدمان في العمر؟ وهل تفقد الوالدة لقلب الأم، والوالد لقب الأب عندما يكبر أبناؤهما، ويصبحان في خريف العمر؟ ما دعاني لطرح هذه التساؤلات ما أسمعه وأشاهده ويؤلمني أشد الألم حينما أسمع أحدهم وهو ينعت والديه الكريمين بأسوأ الألقاب ويصفهما بأبشع الصفات، وكأن الأب لم يعد أباً والأم لم تعد أماً، فوالدته -التي حملته وأرضعته وتحملت الكثير من المشاق والمتاعب حتى كبر واشتد عوده- لا يسميها إلا (العجوز) أو (الكهلة)، وإن تأدب وتفضل سماها (الشايبة) «حسب اختلاف اللهجات والثقافات»، وكأنها لم تعد (أمه) التي علمته اللغة والكلام، واحتفلت بلثغته حينما بدأ ينطق أول الحروف وأولى الكلمات، وفي أوج فصاحته و»طول لسانه» لا يجد ما يبرها به إلا أن يسلبها لقب «الأم»، وكأنها لم تعد تستحقه بعدما انتهت مهمتها وأصبحت عبئاً عليه، ووالده الذي كان سبب وجوده بعد الله عز وجل، والذي تكفل بتربيته والنفقة عليه والعناية به وتعليمه، لم يجد في قواميس اللغة ومعاجمها ما يكافئه به من البر والإحسان إلا أن يسميه «العود» أو «الكهل» أو «القَحَمْ» أو «الشايب»، وكأن لسانه لم يعد يستطيع نطق كلمة «الأب» والوالد أو أصبحت ثقيلةً عليه، أو أن والده لم يعد جديراً بها في هذا العمر! عجباً لهذه القسوة والغلظة، وغياب الذوق والأدب والاحترام مع الوالدين اللذين أوصى الله عزّ وجلّ بهما فقال «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا». • إلى أمي الغالية (سالمة): يا هامة الشعر انحني حشمة «أمي» من واجب أشعاري تُقبل يديها لو ما غلاها سار بعروق دمي جفّت عروقي ما جرى الدم فيها