لا أنتمي إلى أي نادٍ ولكن إذا تطلب الأمر أن أشجع فسأختار منتخبنا الوطني، سواء كان غالبا أو مغلوبا، لأنه بكل بساطه (يلعب) واللعب معناه اللهو وتمضية بعض الوقت للترفية، ولكن لا أستطيع أن أتخيل أن يشارك إنسان في أي لعبة، متجاهلا بيته المليء بالتصدعات التي تحتاج جل وقته لترميمه وإصلاحه قبل أن يهوي المنزل فوق أسرته! جنحت الروح الرياضية في مجتمعنا لتخرج عن مسارها في أكثر من حادث مأساوي، لتصل إلى أبعد ما هو مخطط له من أهداف، حيث يُعرف بأن أهم أهداف الرياضة تقبل الهزيمة بروح رياضية، وما يحدث من تشنج وإساءة تلحق باللاعبين بعد كل هزيمة بشكل مبالغ فيه، كفيل باغتيال تلك الروح في نفس أي محترف أو هاوٍ، غمر الحزن والغضب والألم عددا كبيرا من الناس من أجل فريقنا الذي لم يحالفه الحظ للمشاركة في كأس العالم، وتمت هزيمته من قبل منتخب أستراليا التي تمثل قارة تفوقت في حضارتها على منتخب شبه الجزيرة ، ولا أدري لماذا تصور البعض بأننا مؤهلون للتنافس في (لعبة) ونحن في الأساس غير مؤهلين للتنافس في أساسيات أهم من ذلك! وأجمل ما في تلك الهزيمة، استقالة الاتحاد السعودي لكرة القدم بكل «شجاعة أدبية» فتجربة الاستقالة تلك كانت بالنسبة لنا أهم من الفوز الذي تستحقه أستراليا، لأنها في الأساس متفوقة باستحقاق وجدارة في أهم نظام في الدولة (نظام التعليم )، حيث يتلقى جميع أطفال أستراليا أحد عشر عاماً إجبارياً من التعليم ما بين 6 إلى16 عاما، حيث يعتبر الحضور في المدارس إلزامي في القانون، ويُعطى الطلاب عامين اختياريين أضافيين، مما ساهم في القضاء على محو الأمية بنسبة كبيرة، وفي البرنامج الدولي لتقييم الطلاب عادة تكون أستراليا ضمن الأوائل الخمسة من أكثر من ثلاثين دولة كبرى متقدمة، وتمتاز شوارعها بالنظافة، حيث لوحظ فيها «تصريف للمجاري»، والقانون فيها فوق الجميع، حيث يُعاقب ويُساءل فيها الوزير قبل الموظف الصغير، وتجرم قوانينها العنصرية وزواج الصغيرات، وبها مساحات خضراء شاسعة تتوسطها ملاعب تنس وكرة قدم للكبار وللصغار، ومسابح بين الأحياء يستخدمها عامة الشعب دون اشتراك، يمارسون فيها شتى أنواع الرياضة منذ صغرهم، ولا تقتصر تمشيتهم أيام العطل على المطاعم والمجمعات التجارية، فالترفيه في أستراليا حق للجميع ..وحتى للفقير !!! فليس من المنطق أن نتوقع من منتخبنا الفوز فقط لأن الملايين صُرفت عليه، ونحن نعرف جيداً بأن هناك ملايين صُرفت على الجامعات ولا أثر لها على أرض الواقع، وكون بلدنا نجحت في صناعة النفط فهذا لا يعني بأننا نجحنا في توفير الأساسيات، بل أصبنا بالغرور وبات أكبر همنا التمّيز وأن يُكتب عنا (الأول عالمياً) في أي شيء حتى لو كان غير مقنع أو دون استحقاق أو جدارة. وفي مجتمعنا تمتلك النوادي الرياضية ميزانيات أضخم من التي تمتلكها جمعية مكافحة التدخين ومكافحة السرطان، ومراكز التأهيل، وما يدفع للحزن حقاً، الملايين التي يستلمها لاعب أجنبي واحد حيث تكفي لفتح خمسة مراكز لغسيل الكلى على الأقل، ناهيك عن الملايين التي يتقاضاها المدرب الأجنبي أيضاً من أجل بطولة واحدة، حيث تكفي لجلب أحسن الأخصائيين من حول العالم لمعالجة أطفال التوحد وبناء مركز لهم في كل مدينة في المملكة وهم الذين يتكدسون دون تأهيل لعدم توفر الاختصاص، ولم تتوقف قوة نفوذ الرياضة وسيطرة الكرة عند هذا الحد، بل استولت على فكر وزارة التعليم التي ضمنت في منهج اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية درسا كاملا عن لاعب معتزل ( جوهرة العرب) لتستشهد بإنجازاته وبطولاته في (اللعب)، في عملية تجاهل للعلماء والعالمات من نفس البلد الذين خدموا البشرية بابتكاراتهم، ليخرج جيل آخر أكبر همه الكرة فقط! تركيبة متشابكة من المتناقضات ظهرت فجأة وبشكل مُضحك في موقف أثار شجناً كان ثاوياً بين أضلُعي، المشاركة غير المسبوقة وغير المقنعة التي ستشارك فيها فتيات كرة السلة في الألعاب الأولمبية بالضوابط الشرعية !!! (أهم شي الضوابط الشرعية) عاثت بالأفكار المنطقية وتسلسل الأحداث التي يبنيها العقل بشكل غير متوقع ودمرته تماماً، بعد أن عوقبت بالأمس بسبب القيادة، انبرت الصحف تبرر مشاركتها بكل أريحية اليوم، وتبارك اختيارها لحمل الشعلة الأولمبية في لندن وكأن نجاحات لاعبات روسيا وكرواتيا وأمريكا في الألعاب الأولمبية منذ عقود لا تعني شيئا، ولو كان الأمر بيدي لطالبت بأن نُغلق على أنفسنا لمدة سنتين على الأقل للعمل بإخلاص على بناء وترميم جدار الوطن وسد العجز و الثغرات والفجوات والنواقص والتصدعات والتشققات الموجودة في مؤسساتنا المدنية والحكومية، وتصليح البنية التحتية أولاً، قبل الخوض في أي مسابقات، لأن ما يحدث الآن انتهاك بحق الضرورات والأولويات، من أجل اهتمام مبالغ فيه لقشور لا تقدم ولا تؤخر بل تجعلنا نسخر من شر البلية! لم تُسمح الرياضة في مدارس البنات إلى الآن بسبب اختلاف بين تيارات، ولم يتم تحقيق العدالة للكثير من السيدات بسبب عدم تحديث بعض القوانين وغياب البعض الآخر، وسرعة السلحفاة التي يتم فيها تمكين المرأة في المجتمع تمشي (بطلعة الروح) ولا أدري كيف ستشارك الفتيات بكل سهولة في بطولة دولية دون خوض أي بطولات محلية !! ونحن مثل باقي الدول الخليجية ليست في الأصل دولا مارثونية في رياضة السيدات، بل الأكثر ضحكاً من شر البلية !