كان يسحب إحدى رجليه المحاطة بالجبس من القدم حتى نصف الفخذ، ويسير بتثاقل ليتجاوز الصف الأول من المصلين، وعندما استقر واقفا أمامهم شرع في البكاء وذكر أحواله الصحية السيئة وعجزه عن العلاج بسبب الفقر، راجيا منهم مساعدته بالمال لتجاوز فقره ومرضه، غير أن حظه السيء هذه المرة أوقعه في حضرة إمام اشتهر عنه كرهه لظاهرة التسوّل، فما إن طالبه بإثباتاته، ووقف ليسائله حتى تحول المتسوّل المكسور إلى عدّاء قفز الحواجز، فتجاوز بلمح البصر رؤوس المصلين بقفزة بهلوانية، ثم انطلق كالسهم ليستبق الباب قبل الإمام. هذا المشهد يتكرر الآن بسيناريوهات مختلفة وبشكل أكبر في المساجد والطرقات وإن قلّ للأسف وجود الطرف الثاني المسلم الغيور الذي يتبع مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني». ما زالت الطيبة تعمي المتصدّق الصادق عن رؤية حقيقة المتسوّل السارق، فلم يع المنفق ماله على المتسوّلين، أنه ربما يكسب الإثم لا الخير بدعمه لصناعة التسوّل؛ فهي الصناعة المسؤولة عن اختطاف الأطفال وبتر أياديهم، وتشويههم لاستدرار عطف الناس واستغفالهم، هي صناعة قوامها ممثلون ربما بإرادتهم أو في أحايين كثيرة بإرادة مستغليهم من رؤساء عصابات التسوّل الذين يستغلون المتخلّفين ومخالفي نظام الإقامة ليربحوا بأقل التكاليف والمجهود أموالا طائلة من جيوب المنفقين. لمثل المستغفلين من الطيّبين نحتاج إلى مكافحة مشجعي التسول بنفس القدر الذي نحتاج فيه إلى مكافحة التسوّل؛ فلولا وجود المخدوعين ما كثر الخادعون. فليتجه المتصدقون إلى الجمعيات الخيرية فهي الوسيط الآمن الأمين بين المنفق والمحتاج، وليوقفوا ظاهرة التسوّل وجرائمها بعدم تمويلها عن حسن نيّة.