يشن النظام السوري منذ عدة شهور حربا بلا هوادة ضد الشعب السوري في الوقت الذي يقف المجتمع الدولي عاجزا حتى عن إدانة القتل والتدمير، وما نشاهده يوميا على شاشات التلفزة يفوق كل تصور لوحشية أي نظام، ومن الصعب مقارنته حتى بالمغول والتتار، كما لا يمكن مقارنته بوحشية الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في انتفاضاتهم المتعاقبة، فانتفاضة الحجارة التي دامت ما يقارب الأربع سنوات لم يرتكب فيها جنود الاحتلال ما ارتكبه شبيحة الأسد وجنوده من قتل وتدمير، فمئات الآلاف من السوريين أصبحوا مهجرين داخل سوريا وعشرات الآلاف خارجها، وما يجري اليوم في سوريا هي حرب إبادة شاملة ضد الشعب، وشعارات جنود الأسد التي يكتبونها على جدران البيوت المهدمة خير دليل على ذلك (الأسد أو نحرق البلد) إضافة إلى مقاطع الفيديو التي تبث يوميا لتكون شاهدة على وحشيتهم، ما يجعل المسألة أبعد ماتكون عن إخماد ثورة أو انتفاضة. والمراقب لما يجري يجد أن أمورا أخطر بكثير وراء هذا العنف، فالمذابح التي ارتكبت بحق عائلات بأكملها أو اغتصاب النساء في الشوارع ومن ثم قتلهن وذبح الأطفال بطرق وحشية، وتعليق جريح على شرفة منزله حتى الموت والتمثيل بجثث القتلى ورميهم من الطوابق العليا، أمر يجب التوقف عنده مطولاً، ولا يمكن النظر إليه على أنه إخماد لثورة، فهو خرق لكل الأعراف والقيم الإنسانية والدينية وكذلك المواثيق الدولية، كما أن تدمير الأحياء التاريخية وإحراق المنازل وتدمير المعالم الآثرية في قلعتي المضيق والحصن وهي رموز لحقبة معينة وتراث إنساني لأكبر دليل على أن ماخفي أعظم، فهذه القلاع التي مرت بها قوات احتلال كثيرة من فرنسيين وأتراك لم يفكر أحد بتدميرها. كما لم تفكر أي قوة احتلال أن تقتلع أشجار الزيتون أو تحرقها أو تدمر أسواق المدن التاريخية القديمة. ما يجري يثير تساؤلات خطيرة عن الأسباب التي تدفع للقتل والتدمير بهذه الوحشية وبهذا الاتساع، فسوريا اليوم أصبحت كلها مستباحة لجنود الأسد وقتلته، وما يجري هو استباحة لوطن وشعب بالكامل، فحتى قوانين حروب العصور القديمة والوسطى كانت تسمح للقوات الغازية باستباحة المدن لثلاثة أيام فقط كمكافأة للجنود على انتصارهم، أما ما يجري في سوريا فهو استباحة مستمرة لسوريا بأكملها ودون تحديد مدة زمنية، ويحدث هذا في الوقت الذي يدعي العالم أنه متحضر ومتمدن، وأنه تجاوز عصور الظلام، وما زال المجتمع الدولي يقف عاجزاً ومتفرجا على ما يجري، ومازال الصمت العربي مريبا، رغم أن بعض الأصوات ارتفعت قليلا دون أن تصل إلى مستوى ما يجري من مذابح في سوريا حتى الآن. فهل هذه هي المؤامرة الكونية التي تحدث عنها نظام الأسد فعلاً قد تحققت لكن ليس ضده بل ضد سوريا شعبا وأرضا وتاريخا؟