نسيت أن أسأل صديقتي الشاعرة والكاتبة السورية رشا عمران عن سبب الجرح الذي يعلو رسغها الأيمن، هي أيضا لم تتذكر عنوان ديوانها الأخير الذي دفعت به للنشر قبل أن تنجح في الهروب من بلادها بثروة من الألم جعلت أكبر أحلامها أن تفقد الذاكرة. في وسط البلد التقيت رشا أخبرتني أنها تقيم في القاهرة منذ أيام، وحين جلسنا على المقهى قصّت عليّ كيف رحلت من دمشق قبل شهر ونصف إلى فرنسا بعد أن تم فصلها من وظيفتها باتحاد الكتّاب وتلقت تهديدات صريحة من النظام وأوامر بمغادرة الوطن. الاعتراف بالخوف شجاعة منحتها حق الزهو بالخجل: «لا يمكن قول أنو كلنا شهداء فدا الثورة لأني بكون كدابة، أنا قاعدة بأمان أنا وبنتي، بخجل من أماني وشايفتو ترف، لا أحرض على مظاهرة أو على اعتصام أو على موت ، يلي بدو يعمل هيك لازم يكون أول واحد بينزل على الشارع والناس تكون وراه». أمامها كان فنجان القهوة السادة ينتظر. قرارها منذ البداية هو أنها لن تتورط في الشتم والتخوين: «ما بيكفي الثورة السورية يلي عم يحاولوا يشوهوا صورتها من براتها، ما بيكفيها محاولات النظام ومؤيدي النظام، والإعلام الموالي والمعارض، ما بيكفي كل هاد لحتى يجي ناس من قلب الثورة تبلش تهد كل شي؟.. عم نزاود على بعض وكأنو النظام سقط ورجعنا لحياتنا متل الأول، عن جد يا عيب الشوم علينا». وتعارض تسليح الثورة: «نحمل سلاح ومننزل على الشوارع، على الجيش، على الأمن، على الموالين، على كل حدا مو معنا، ويا سيدي من الآخر رح افترض بسرعة أنو نحنا انتصرنا، طيب، وبعدين شو رح يصير.. شلون رح نتصالح مع أهالي الناس يلي رح يموتوا برصاصنا (يلي هنن سوريين)، ما ممكن يروح بالغلط مئات وآلاف من الناس (يلي هنن بريئين).. وقال نجي نعمل مؤسسات مدنية واجتماعية ونبني دولة قانون (يعني هيك بيصير فلم كرتون).. شلون بدنا نحاول نقنع الناس الصامتة والخايفة من المجهول.. برأيك منحط مسدس فوق راسون... فبيقتنعوا بسهولة.. شلون رح يكون في مصالحة وطنية بالمستقبل.. ورح يكون كل السوريين قاتلين من كل السوريين؟! وتحكي عن سيدة بدوما: «ولادها بيطلعوا مظاهرات، وهيه بتبعت الأكل لحواجز الأمن، لأنو بتحسون متل ولادها، ولادها بيطلعوا مظاهرات، وهيه بتروح لعند حواجز الأمن، وبتقلون: الله يرضى عليكن .. بس تقوصوا على المظاهرات.. لا تقوصوا مباشرة عليهون.. قوصوا بالهوا.. هدول اخواتكن... « ...وعلى فكرة هاي القصة مو بالتراث الشعبي .. أو من محض الخيال .. هاي القصة حقيقية وواقعية.. وصارت فعلاً .. على الرغم من كل ما حصل في دوما..أمثال هذه السيدة.. ومن يشبهها.. ومن يفكر بطريقتها .. ومن يشعر بشعورها ...هم من سينتصرون في نهاية الأمر.. نبذ العنف والقتل.. وعدم حمل السلاح واجب وطني لبناء سوريا المدنية الديموقراطية.