رضع البابا شنودة الثالث طفلا من أمهات مسيحيات ومسلمات وعاش يبث الدعوة للوحدة بين أبناء الديانتين في مصر لكنه رحل بالأمس عن البلاد التي ما زالت تبحث عن اتجاه بعد عام من الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في انتفاضة شعبية. ومنذ جلوسه على كرسي البابوية عام 1971 ليكون البابا رقم 117 لكنيسة الإسكندرية التي كانت مركزا لانتشار المسيحية، عمل شنودة الثالث بدأب لإغلاق الباب أمام الفتنة الطائفية في الدولة التي يمثل المسيحيون حوالي 10% من سكانها الذين يزيد عددهم على ثمانين مليون نسمة. ولد البابا شنودة في الثالث من أغسطس 1923 في قرية سلام بمحافظة أسيوط في جنوب مصر وتوفيت والدته بعد ولادته بسبب حمى النفاس. وقال البابا كثيرا في حياته إن جارات مسلمات ومسيحيات لأسرته أرضعنه بعد وفاة والدته. درس البابا شنودة الذي ولد باسم نظير جيد روفائيل في كلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا) وحصل على درجة في التاريخ عام 1947. وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليريكية وتخرج فيها وعمل مدرسا للتاريخ. وخدم في القوات المسلحة المصرية كضابط احتياط. ويتلقى ضباط الاحتياط في الجيش المصري تعليما مدنيا ثم يحصلون على تدريب خاص خلال خدمتهم العسكرية الإلزامية في حين يتلقى الضباط العاملون تعليمهم العالي في الكليات العسكرية. وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وعمل مدرسا بها أيضا. وعمل خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمنطقة “مسرة” في القاهرة وطالبا في مدارس “الأحد” ثم خادما بكنيسة “الأنبا أنطونيوس” بحي شبرا في القاهرة في منتصف الأربعينيات. وعمل صحفيا حيث تولى مسؤولية تحرير مجلة “مدارس الأحد” وكان يقرض الشعر كما كانت ثقافته الإسلامية واسعة. وكان يكتب مقالات في صحيفة الأهرام كما كان عضوا في نقابة الصحفيين المصرية. وكثيرا ما كان يعبر عن ارتباطه الشديد بمصر فيقول “مصر ليست وطنا نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا”. وأمضى البابا شنودة عشر سنوات في الدير دون أن يغادره. وتم ترسيمه راهبا باسم أنطونيوس السرياني عام 1954. وفي العام التالي تم ترسيمه قسا. وعمل سكرتيرا خاصا للبابا كيرلس السادس في عام 1959. ورسم أسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية في 30 من سبتمبر 1962. وحين توفي البابا كيرلس في 1971 اختير شنودة للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة ليصبح البابا رقم 117 لكنيسة الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. واصطدم البابا شنودة مع الرئيس الراحل أنور السادات بسبب اعتراضه على أسلوب السادات في التصدي لعنف الإسلاميين في السبعينيات من القرن الماضي. كما رفض معاهدة السلام التي أبرمها السادات مع إسرائيل عام 1979 بسبب إجراءات إسرائيل في مدينة القدس. وحدد السادات إقامة البابا شنودة في دير وادي النطرون عام 1981. وعقب اغتيال إسلاميين للسادات في نفس العام وتولي حسني مبارك السلطة رفع مبارك الإقامة الجبرية عن البابا شنودة واتسمت علاقتهما بالسلاسة. ورغم اندلاع أعمال عنف طائفية من حين لآخر إلا أن وسائل الإعلام الحكومية كانت تشيد بالبابا شنودة كرمز للتعايش بين الأديان. وحين كان محتجون مسيحيون يخرجون للشوارع للشكوى من تمييز ضدهم كان البابا شنودة الثالث يفضل التزام الصمت لتجنب إثارة التوترات. ومنذ عام 1986 أصبح أول بابا يقيم حفلات إفطار رمضانية لكبار الشخصيات من مختلف قطاعات المجتمع المصري. ورفض البابا مشاركة الأقباط في الانتفاضة التي أسقطت مبارك في فبراير 2011 لكنه بارك نجاح الانتفاضة التي شارك فيها مسيحيون بالمخالفة لموقفة.وتوفي البابا شنودة الثالث أمس الأول ليتدفق التعبير عن الحزن لرحيله من مختلف فئات المجتمع المصري مسيحيين ومسلمين على السواء. وقالت وسائل إعلام محلية إن قداس الجنازة سيقام يوم الغد. ومن المقرر أن يجري دفنه في دير بوادي النطرون في الصحراء شمال غربي القاهرة بناء على وصيته. ويتولي أسقف البحيرة بوخوميوس منصب قائم مقام البابا لمدة شهرين لحين انتخاب بابا جديد.