«الغربة والبعد عن الأهل، هي أصعب ما واجهته»، هذا ما قالته سيدة الأعمال التي لم تتخلّ عن طموحاتها، ولم تثنها المصاعب عن الوصول إلى مبتغاها، هدى بنت عبدالرحمن الجريسي، وهي تتحدث ل«الشرق» وتكشف لنا أدق التفاصيل التي مرت بها خلال مسيرة نجاحها.. فإلى الحوار: * حدثينا عن تجربتك في دراسة الترجمة بجامعة جنيف السويسرية، وما هي العوائق التي واجهتك؟ كانت دراستي منذ طفولتي حتى تخرجي من الجامعة خارج السعودية، وقد كانت الغربة أصعب ما واجهت، إلاّ أن ذلك نمّى عندي الاستقلالية وقوة الإرادة وحب الوطن وعزة النفس، والتمسك بالهوية العربية المسلمة. كما أن عدم استخدام اللغة العربية أثناء دراستي في التعليم العام، شكّل صعوبة خلال المرحلة الجامعية، لأنني اخترت الترجمة، وإحدى لغات التخصص كانت العربية؛ ما حدا بي إلى التركيز على الدروس الخصوصية خاصة أثناء الإجازات الرسمية. * كيف تصفين تجربتك في تحليل أخبار العالم، عندما كنت تعملين في مركز الأبحاث الوطني؟ كانت تجربة مفيدة، فهي جعلتني دائماً على اطلاع بما يحدث حولي، والتعرف على آراء الآخرين ومحاولة تحليل تصرفاتهم، وتوقع ردود أفعالهم. – اذكري لنا بعض المواقف التي واجهتيها عند عملك كمترجمة بالقسم النسائي في ديوان الخدمة المدنية؟ وكيف تقييمين هذه التجربة؟ إنها تجربتي الأولى في العمل، حيث لم يكن قد مضى على عودتي للبلد سوى أسبوعين، فذهبت للقسم النسائي في الخدمة المدنية للتعرف على الوظائف الشاغرة في القطاع العام، فصادفت أن كان لديهم وظيفة تنتظر من يشغلها في مجال الترجمة، فقبلت بها بنظام الأجور وبراتب أقل بكثير مما كنت أستحقه، لأنني لم أكن قد انتهيت من معادلة شهاداتي. كان هدفي الحصول على الخبرة، وبدأت أتعرف على قدراتي. أما من ناحية العمل فلم يكن هنالك الكثير من مهام الترجمة، فكنت أقرأ كثيراً، وأصاب بالممل والنعاس. * عُرفت بأعمالك التطوعية المستمرة، وهذا إن دل فإنه يدل على رغبتك الصادقة في خدمة وطنك.. نود أن نعرف ماذا أضاف لك العمل التطوعي كسيدة أعمال؟ وهل أثناك عن عملك الأساسي؟ أضاف لي الكثير، وأعطاني الشعور بالمسؤولية، والثقة بالنفس، وقوة الشخصية، وحب العمل والمثابرة، كما علمني كيفية إدارة الوقت بالطريقة الصحيحة. ويكفيني الشعور بالفخر، عندما أرى أن هنالك من يستفيد مما أقدمه من المساهمات، التي اعتبرها من المسؤولية الاجتماعية. أما من حيث تأثيره على عملي الأساسي، فإنني لا أعتقد ذلك، وخاصة إذا كانت هناك إدارة صحيحة للوقت، مع ترتيب الأولويات، واختيار الشخص المناسب، ووضعه في المكان المناسب. * تقلدتي وسام «فارسة في جوقة الاستحقاق الوطني الفرنسي» من قبل الرئيس الفرنسي ساركوزي، ونحن سعداء جداً بذلك، ونتمنى لك مزيداً من التقدم والنجاح، كيف تثمنين هذا الوسام؟ وإلى ماذا يدفعك ذلك؟ أعتقد أن هذا الوسام هو تتويج للجهود التي بذلتها خلال السنوات العشرة السابقة في المجال التطوعي، ولم يكن هدفي سوى خدمة وطني، وإرجاع جزء من الخير الذي منحني إياه الله، وأكد لي بأنه ليس هنالك مجهود ضائع، فما يبذله الشخص يحصده أضعافا مضاعفة. * من يقف وراء كل هذا النجاح؟ الفضل بعد الله يرجع لوالدي قدوتي، ووالدتي صاحبة الحكمة والصبر، وزوجي المشجع والذي يحثني دائماً على بذل المزيد والمثابرة في العمل، وأيضاً تفهُّم أبنائي لضرورة هذا العطاء. فدعم الأهل لأبنائهم مهم جداً ليتمكنوا من العطاء. * وراء كل نجاح قصة.. فهل فكّرتِ بإصدار كتاب تدونين به تجربتك؟ نعم.. لدي هذه الفكرة، لكنها بحاجة إلى شخص أو جهة تشرف عليها، فأنا من الصعب أن أقوم بذلك خلال هذه الفترة بحكم انشغالي، والآن زوجي يقوم بجمع المعلومات، لكنه أيضاً لديه أعماله، لذا قد يكون من الصعب أن يتولى كامل المهمة، ولكن من الممكن أن يتولى جانب الإشراف، أما بالنسبة لأخي الدكتور خالد والذي تولى مهمة كتاب والدي قد يكون من الصعب عليه أن يعود للإشراف على كتابي بسبب انشغاله، مع أنني أتمنى ذلك، ولكن ما أستطيع قوله بهذا الشأن إن الإشراف على هذا الكتاب سيكون مهمة أحد أفراد العائلة. * أخيراً.. نرغب بمعرفة ما هي تطلعاتك نحو المستقبل؟ ما زال لدي الكثير، وبإذن الله سأستمر في تكريس المزيد من وقتي وخبرتي، إذا أعطاني الله العمر والصحة، حيث أتمنى أن أرى مملكتنا الحبيبة شامخة بين دول العالم بعمل النساء في شتى المجالات، دون فقدان الهوية الإسلامية، قدوة للدول الأخرى، فخورة بأنها أصبحت منتجة ومصنّعة وقادرة على منافسة كبرى الدول مع المحافظة على مبادئها الإسلامية، فتعطي المرأة ربة المنزل وصاحبة الأبناء الأولوية للعائلة، كما تُعطي في المجالات الأخرى دون تقصير، أي كخلية النحل، كل يعمل حسب مسؤولياته وقدراته. * ما هي النصيحة التي ترغبين بتقديمها لفتيات الوطن؟ عدم الاستسلام والاستمرار في تطوير الذات، والتسلح بالمعرفة والاستفادة من الوقت بالتخطيط للمستقبل، وتحديد الأولويات والأهداف والسعي لتحقيقها، مع التقيد بالمبادئ الإسلامية، والتمثيل السليم لدينها ووطنها في كل مكان ترتاده خارج البلد أو داخله، أي أن تعتبر نفسها سفيرة متحركة. وأخيراً ألا تتوقع العائد السريع على الذي تقدمه، فهو سيصلها إذا أخلصت به لله.