الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إطلالة على الزمن القديم    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هتون الفاسي: في نصوص «حسائية» قديمة كان الطفل ينسب إلى أمه.. وزيي أخذته عن عمتي رحمها الله!
ترى أن ثمة تهميشاً لرأي المؤرخ المحلي.. وتعلن ل «ثقافة اليوم»:
نشر في الرياض يوم 07 - 07 - 2011

تجمع هتون الفاسي بكل مثابرة، بين الكتابة حول القضايا الاجتماعية - النسوية وبين الاشتغال على بحوث تاريخية حول تاريخ المرأة القديم في الجزيرة العربية، مجسدةً نموذجَ الأكاديمية/المثقفة، التي لا تفصلها أسوار الجامعة عن هموم الإنسان والمجتمع ومشكلاته وقضاياه، وخاصة قضية المرأة.
إذ يمثل انضمام الدكتورة السعودية إلى الخطاب الثقافي النسوي، مكسبا مهما ليس من خلال ما تكتب صحفيا وأسبوعا فقط، وإنما عبر ما تمثل من موقفٍ عادة ما يمتاز بالشجاعة والصدق والعمق المعرفي وهي الأكاديمية الخليجية الوحيدة التي حازت، جائزة «السعفة» الأكاديمية الفرنسية العالمية برتبة «فارسة» ونشرت سلسلة بحوث حول تاريخ المرأة القديم، طارحة وجهة نظر علمية موازية ومضادة للرأي والمنهجية الغربية في هذا الميدان البحثي والتاريخي.. في هذا الحوار نتطرق إلى مجموعة محاور مع هتون الفاسي؛ الناقدة النسوية والمفكرة الاجتماعية المرموقة:
* كيف ترين وتقرئين الحراك النسائي المحلي في المملكة؟
- على مستوى المرأة السعودية نفسها، كان ايجابيا وثريا جدا. ثمة تفاعلٌ كبير وتحركٌ على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي والاهتمام بقضايا الشأن العام. وهي أمور يمكن أن تُوصَل بالحراك الموجود في الشارع العربي، من جانب، ومن جانب آخر يمكن أن توصل بوسائط وشبكات التواصل الاجتماعية التي أصبحت - كما أعتقد - أنسب وسيلة تستطيع المرأة السعودية أن تعبر عن نفسها من خلالها والبديل المناسب لإبراز قضاياها؛ وذلك لأن أغلب الأماكن أو نقاط الفضاء العام مصادرة، أو دائما على حركتها ثمة حرج. كما أصبحت، ففي المرحلة الأخيرة بدأنا نلاحظ أن أعداد الصفحات التي تتناول المرأة السعودية أصبح لا يتزايد بشكل مضطرد وطبيعي فحسب وإنما أصبح يخضع لأرقام متسارعة وغير قابلة للحساب؛ أرقام تتضاعف يوميا.
* دكتورة.. هل مسألة البحث حول مرجعيات للمرأة؛ هو الذي دفعك، على المستوى الشخصي، أيضا، أن تقومي بالبحث في تاريخ المرأة؟
- لاشك. مسألة المرجعية ناحية أساسية، ولكن كنت أيضا أحاول أن أجعل لنفسي مرجعية، أو أن أجعل من المرأة المسلمة العربية المرجع في تاريخ المرأة العربية. وتجربتي الأولى في البحث وخلق مرجعية كانت بالذات فيما مجال تاريخ الجزيرة القديم، فمرجعية بحثه وقراءته وتفسيره كانت دوما حكراً على الغربي الأوربي أو الأمريكي؛ ودائما ما كانت هذه قضية مؤرقة لي منذ أن كنت طالبة، فهم الذين درسوا تاريخنا وخاصة تاريخ الجزيرة العربية القديمة وثقافتها ولغتها، وهم الذين يفتون بإمكانية قبول أو رفض هذا التفسير أو ذاك؛ وما إن كانت صحيحة علمياً أو غير صحيحة. لاشك أن ثمة (منهجية) علمية يتبعها الباحث ولكن حتى على هذا المستوى، كان هنالك استبعاد وتهميش لرأي المؤرخ/ المواطن المحلي، إزاء المؤرخ القادم من الغرب. صحيح أنني درست في الغرب، ولكن قمت بمناقشة وتحدي منهجيتهم في عقر دارهم، تحدي التأريخ الغربي ومسلماته التاريخية والجغرافية وأسمائه الرسمية. وكانت تجربة مهمة وبينت لي أن ثمة الموضوعي جدا فيهم الذي يتحمل أن يكون هنالك تحدٍ لسلطته، وآخرين لا يقبلون بذلك. وطبعا هذا تحدٍ مرتبطٌ بتحديات كثيرة واجهتها المنهجية الغربية مع مثلا: نظريات الاستشراق ونظريات ما بعد الاستشراق والاستعمار (ما بعد الكولونيالية) الخ.. وهذا كله ساعدعلى أن أثبت وجهة نظري في أن المرجعيات الغربية في حاجة إلى أن تُراجع أو أن تُتحدى وانه اذا ما امتلكنا المنهجيات المناسبة والحديثة، فإنه لاشيء يمنعنا في أن نكون نحن مرجعا في القضية التي نتكلم عنها خصوصا عندما نتحدث عن (الجزيرة العربية) أو (المرأة)؛ وعلى مستوى تأريخ المرأة العربية، حاولت أن أثبت شيئاً مختلفاً؛ حاولت أن أثبت فيها أنه كان ثمة حراكٌ مختلف في النموذج التي اخذته وهو نموذج المرأة في شمال الجزيرة العربية (المرأة النبطية) كيف أنه كان لهذه المرأة (استقلالية) وحضورٌ وظهور لم تكن تتمتع به لا المرأة اليونانية ولا الرومانية المعاصرة لها.
* ولكن متى غاب حضور المرأة النبطية؟
- ما توصلت إليه أن الحضور والغياب يتبادلان ومرتبطان بمتغيرات أخرى، سياسية واجتماعية واقتصادية.. تحيط بوضعها؛ إذ إن المرأة في العهد الأول من المملكة النبطية؛ كانت غير ظاهرة ثم ظهرت وهكذا.. لذا هنالك أسباب معقدة لابد أن تتكامل حتى تظهر أو تغيب. وهي كانت ظاهرة حتى القرن الثاني الميلادي وبعد سقوط الدولة النبطية تضاءل وجود المرأة وعادت سيطرة القبيلة وعاد النظام السياسي قبليا وعندما يكون قبليا تكون قدرة المرأة على الحركة أقل ولا تصبح قادرة على الاستقلالية لأنها في حاجة إلى حماية القبيلة. لكن عندما تكون هنالك دولة قوية؛ المؤسسات هي من تقوم بحماية المرأة، لتقوم بأداء كثير من أدوارها حتى لو كان الرجل غير موجود. وهذه المعادلة ليست بهذا التبسيط؛ لأن هناك ما يثبت العكس وهو أن وجود الدولة قد صادر كثيراً من حقوق المرأة وحرياتها التي كانت تتحرك في محيط مرن لكن في إطار الدولة تنتفي هذه المرونة وتفقد المرأة كثير من استقلاليتها أو حرية حركتها، وليس هناك قراءة واحدة للتاريخ.
* أطروحتك لماذا لم تترجم وتأخذ بعدا جماهيريا إلى الآن؟
- في سبيلها للترجمة، وإحدى الفتيات السعوديات تعكف على ترجمتها وانا أتابع معها فيما يخص مسألة دقة المصطلحات. وكانت هنالك إشارة إلى أن وزارة الثقافة والإعلام تريد أن تتبنى ترجمتها وفيما بعد «مات الموضوع» بعد أن تغيرت الوزارة على ما اعتقد؛ وهذا ما سمعته من الدكتور عثمان الصيني بعد ان صدرت توصية منه بأن يترجم الكتاب.
* إلى أي مدى، أخر انشغالك بالقضايا الاجتماعية النسوية، مسألة مواصلتك تطوير بحوثك حول تاريخ المرأة؟
- لاشك أن هذا الانشغال اخذ جزءا من وقتي ودفعني للكتابة في قضايا التاريخ المعاصرة، أكثر من الكتابة في التاريخ القديم. هذا لا يعني أنني توقفت من النشر في التاريخ القديم.
المرأة في شمال الجزيرة العربية كانت تتمتع بحضور لم يكن لدى المرأة اليونانية والرومانية
* كيف؟
- كل عام ينشر لدي بحثين على الأقل وأغلبها باللغة الانجليزية وفي الأوساط العلمية، لذا ربما لا تأخذ حظها من الظهور. والآن لدي ما بين ال «12» و»13» بحثا منشورا وعدد آخر في سبيله إلى النشر بخلاف مسودات مشاريع أخرى لكتب وأبحاث.
* هل صحيح أنك أنجزت العام الماضي بحثا حول تاريخ المرأة في شرق الجزيرة العربية؟
- أجل، هذا بحثٌ سلم منذ زمن ولكن تأخر في النشر. وهو جزء من كتاب تموله مؤسسة قطر برعاية الشيخة موزة المسند حول تاريخ المرأة في الخليج، وبحثي يفتتح الكتاب؛ لأنه يتناول شرق الجزيرة قبل الإسلام.
* تقصدين التاريخ القديم؟
- أجل.. القديم، وتحدثت حول تاريخ المرأة في شرق الجزيرة منذ الألف الرابع قبل الميلاد حتى القرن الثالث الهجري.
* وما أهم النتائج؟
- في الواقع، كنت أرصد دور المرأة الديني في مجتمع شرق الجزيرة العربية والتكوينات الاجتماعية؛ وتتبعت وضعها في المثيولوجيا السومرية والديلمونية كما تتبعت مسألة الأمومية ودور النسب الأمومي الذي يظهر في عدد كبير مما يسمى بالنصوص «الحسائية» التي تؤرخ للقرنين الثاني والأول قبل الميلاد والتي تحمل شواهدها أسماء نساء وعدداً منها أمومية؛ وقارنتها بنصوص نبطية تنسب الطفل إلى الأم.
في أطروحتي بينت أن هذا المجتمع كان أبويا؛ إذ لا يمكن أن يكون أموميا. وبالبحث في شخصية هؤلاء النساء وهويتهن توصلت إلى أنهن من الأرجح كاهنات.
* أي أنهن فقط شريحة في ذلك المجتمع؟
- أجل.
* هذا على مستوى النسب، ولكن ماذا عن حضور هذه المرأة ككيان وحضور في ذلك المجتمع القديم؟
- بعد مواصلة البحث إلى العصر الإسلامي، لاحظت أن المرأة في شرق الجزيرة تحظى بأوضاع اجتماعية متميزة، تظهرها مشاركة في الفضاء العام على مستوى أكبر من المعهود. وعندما نأتي إلى مجموعات كالقرامطة والخوارج وغيرهم، نرى أن المرأة كانت تشارك في الحروب على سبيل المثال بشكل بارز، فهي قد تقود الحرب وتصل فيها إلى درجات مهمة عندما كانوا يرونه جهادا.
ولأن المنطقة الشرقية في العصور الاسلامية المختلفة كانت منطقة بعيدة نسبيا عن منطقة صنع القرار، فغالبا ما كانت تلجأ لها الجماعات التي تريد أن تنشق عن الدولة أو تعارضها.
* كحركات القرامطة والزنج وغيرها؟
- أجل؛ ودائما ما كانوا يجدون لهم مكانا يلجؤون إليه في شرق الجزيرة، وكانت حركاتهم تنجح هناك. إجمالا كانت المرأة في شرق الجزيرة العربية حاضرة. وكانت النساء والرجال يسمون في كثير من الأحيان بأمهاتهم.
* كيف تكون التسمية؟
- كان ثمة قائدٌ كبير يقال له: أخو زينب.
* ولكن هذا موجود إلى وقت متأخرٌ لدينا في بادية الجزيرة العربية؟.
- لا أقول أنها حالة استثنائية.
* إذن هي موجودة ولها أصل كما في القبائل العربية؟
- في القبائل العربية كانت هنالك قبائل كاملة تسمى بأسماء نساء. ولكن في مجموعات كالقرامطة أو الخوارج التي كان تركزهم في منقطة شرق الجزيرة العربية ووسطها حتى عمان إلى حد أقل؛ لأننا عندما نتحدث عن منطقة شرقي الجزيرة، تاريخيا، نتحدث عن منطقة الأحساء والقطيف (هجر)؛ هناك تجد مؤشرات مثيرة تدفع لمزيد من الدراسات ولكنها محدودة فيما يخص المرأة؛ لأننا نعلم أن من كتب التاريخ هو رجل وبالتالي قصص النساء لن تكون بذات أهمية كبيرة بالنسبة إليه.
* لاحظت فيما تنشرين وجود محرك نسوي في الكتابة.. وكأنك تقومين بإعادة كتابة المجتمع والتاريخ من وجهة نظر المرأة.. هل هذا صحيح؟
- لاشك، طبعا وهو ما اعده دورا أساسيا، أنا مؤمنة فيه وأتمثله، حيث أرى كيف تهضم المرأة مشاركات المرأة وتاريخ إسهاماتها عبر التاريخ. ففي كل دراسة أو بحث أو محاضرة، أحاول ان أعطي المرأة صوت كان غائباً دوماً أو يفسر من وجهة نظر ذكورية أحادية نمطية، تهمش الدور النسائي الذي قد يكون أكثر أهمية ولكنه دور لم يعط فرصته الحقيقية، وأن قراءة الحدث من وجهة نظر نسوية تجعلك تفتح أبواباً جديدة للمعرفة ولإعادة موضعة المرأة في الإنجاز التاريخي والإنساني. من هنا أرى أن دوري الأساسي بوصفي مؤرخة للمرأة هو أن أقوم بهذا الدور أينما تحركت، يميناً كان أو شمالا.
* تقولين يمينا وشمالا.. إذن هذا هو الذي دفعك حتى لكتابة مقال تنحازين فيه لفيروز إزاء من قارنها بمحمد عبده؟
- لا. دافعت عن فيروز ليس لأنها امرأة، وإنما لأنها قيمة.
* فزتِ بوسام السعفة الأكاديمية برتبة «فارسة» من فرنسا.. وهي بلاشك جائزة مرموقة عالميا.. ولكن ثمة «سؤالٌ صحفي»: لماذا اختاروكِ أنتِ بالتحديد؟
- لمَ لا تسألهم أنت. دائما ما أسأل هذا السؤال. ولكن يفترض أن تقوموا أنتم بسؤال أصحاب الجائزة (مبتسمة تضيف) لماذا لا تجرون لقاءً صحفيا مع السفير الفرنسي أو نائبه واسألوه: على أي أساس تقدمون هذه الجوائز للأكاديميين. لا أريد أن أمدح نفسي ولا أحب هذا الموقف.. عموما عندما قلدني السفير الوسام؛ قرأ خطابا مطولا بالعربية والفرنسية وضع فيه كل الأسباب التي على أساسها وجدوا أنني أستحق الجائزة؛ إن كان على المستوى الأكاديمي أو على مستوى مساهمتي في تخصصي أو في العمل المدني أو رفع الوعي بمكانة المرأة السعودية. وهذا موجود في موقع الجائزة بالفرنسي وموجودة في «اليوتيوب» باللغتين العربية والفرنسية.
* هنالك من يرى أن مثل هذه الجوائز (الظواهر) ليست بريئة وأن لها هدفا آخر؟
- نحن لدينا هاجسٌ مرتبطٌ بعدم ثقتنا بأنفسنا، وهو أن كل شيء غربي يدعو إلى الشكوك. فهناك دائما الحديث حول الغزو الفكري الغربي؛ الغيران والحاسد والمستهدف الذي كل همه كيف يجعلنا أناسا نستهين بالعلم والعلماء أو كيف يجعلنا نتخلى عن ديننا ونتحول إلى النصرانية أو اليهودية. وبالتالي أي تصرف يصدر من قبله سوف يفسر كل هذه التفاسير التي تجعلنا ننفس عن شعورنا بالضعف والعجز أمام الغرب بتقدمه الذي نقاومه بالاستيراد وباللعن. من أجل أن تكون موضوعيا يجب أن تبحث في تاريخ هذه الجائزة (وسام السعفة الأكاديمية الفرنسية) ستعرف بالضبط ما تاريخ هذه الجائزة ولمن تمنح؛ أو إن كانت تعطى لأغراض سياسة أو غير ذلك. إن هذه جائزة مرتبطة بالعمل الأكاديمي ويعود تاريخها إلى أكثر من مائتي عام.
* أجل، منذ نابليون؟
- نعم وعندما أنشأها بونابارت كانت من أجل أن تقدم للأكاديميين المتميزين علمياً في جامعة السوربون، وصولا إلى القرن الحالي، إذ أصبحت تعطى لغير الفرنسيين ممن يعتقد أنهم ساهموا ويساهمون في الفكر الإنساني. وهم يمنحونها بشكل منتقى لأناس من مختلف أنحاء العالم.
* قبل ما يقارب العشر السنوات تم على مستوى النخبة الثقافية، تداول مصطلحات جديدة في المجتمع مثل التعايش، التنوع، الآخر، التسامح.. برأيك لماذا لم تذب هذه المفاهيم حتى الآن في المجتمع؟
- سؤال وجيه.. ولكن لا أعرف كيف أجيب عنه. المجتمع عندنا تصله المفاهيم عبر طرائق كثيرة، شيءٌ من خلال التعليم (وعليك أن تنظر المناهج) وآخر عن طريق الإعلام، وربما من يمكنه أن يجيب هو مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. أنا أعرف أنهم نشيطون جدا في نشر كثير من هذه المفاهيم على مستوى الجامعات والمدارس ويقيمون دورات ومؤتمرات ولقاءات.. الخ. لكنك لا ترى هذه المفاهيم على ارض الواقع خاصة لدى بعض أفراد المؤسسة الدينية عندنا. التي لها دور كبيرٌ وواسع في التأثير على المجتمع.
أنا لا أملك التفسير النهائي ولكن أرى أن المفتاح يكمن في هذه الفئة.
* وايضا في العشر السنوات الأخيرة، اصبح لدينا ظهورٌ إعلامي تلفزيوني للمرأة السعودية.. برأيك إلى أي مدى خدم هذا الظهور أو أضر بمشكلات المرأة السعودية نفسها وقضاياها؟
- أكيد لم يضر وإنما أعطى فرصة كبيرة للتعرف إلى أشكال متعددة من النساء السعوديات.. على الأقل أن المرأة السعودية ليست شكلا واحدا. لقد اكتشفنا أن هنالك ألوانا وثقافات متعددة للمرأة السعودية. ثمة هنالك الجادة وغير الجادة، المفكرة والسطحية. اكتشفنا اهتمامات متعددة ومشارب مختلفة لاشك تثري الطرح الإعلامي وتساعد على تحييد الموقف من صورة المرأة وتكون ثقافة تقبل المرأة كإنسان تبعدها عن التشييء.
* ولكن هنالك من يرى أن ثمة نوعا من الاستثمار الدعائي من خلال تصوير حضورها البارز في الإعلام وفي الخارج، بينما حضورها في الواقع والداخل فيه أخذٌ وعطاء؟
- هذه مسألة أخرى. وهي دعاية مكشوفة لأن العالم ليس مفصولا عما يحدث داخل السعودية؛ كله معروف. العالم يعرف القيود المفروضة المرأة السعودية ويعرف أنها مواطنة من الدرجة الثانية وأنها قاصر.. الخ. ولكن مازالوا يظنون أنهم عندما يخرجون المرأة كشكل في وفد أو مؤتمر سيقنعون العالم بأن المرأة السعودية لا تعاني أي تمييز ضدها.
وهذا مشاهد على مستوى كثير من الوفود الرسمية إضافة إلى بعض المناصب الشكلية كمستشارات مجلس الشورى غير العضوات اللاتي لا يظهرن إلا في المؤتمرات الدولية في الخارج ويسيئون بالتالي إلى منجزات هؤلاء النساء الفردية.
أجل هنالك مواقع كثيرة حلت فيها المرأة صورة وواجهة؛ تعطي صورة أن البلد متجهة نحو الانفتاح وإعطاء المرأة حقوقها؛ مثل حالة النشوة التي رافقت تعيين نائبة لوزير التعليم لشؤون البنات بينما نحن لا نزال في مرحلة «الحكائية» ولم ننتقل للفعل الجاد حقاً.
* على ذكر الأشكال المتعددة للمرأة السعودية.. دكتورة أيضا أنت لك شكلٌ مختلف في (زيك).. ماذا لو تحدثيني عن خلفية هذا (الزي)، ثقافيا واجتماعيا؟
- هذا هو الزي التقليدي لمكة المكرمة، ولحضر الحجاز (مكة، جدة، المدينة، ينبع، الطائف) وقد كان الزي الرسمي اليومي الذي كانت ترتديه النساء في المجتمع الحجازي القديم أي من خمسين سنة تقريباً. وأنا وجدت فيه مرجعيتي. وهذا حدث في مرحلتي الجامعية المبكرة. في سنة أولى جامعة، حيث استدللت على هذا الزي من عمتي عاشة قاضيّة (عائشة القاضي، عمتي بالرضاع) رحمها الله «ولبستني هو» وعلمتني كيف البس المحرمة وأدور المدورة. وأهدتني أزاريرها - التركيبة. ومن ثم قررت ان أجعلها زيي الرسمي اليومي فلبستها في الجامعة وكنت في ثاني ترم لي في جامعة الملك سعود. وعددته تحدٍيا لي لأنه كما قلت لك؛ هذا كان مرجعيتي مقابل المرجعية الغربية التي كانت وقتها تتجاذبني، وأحببت أن أثبت لهذه المرجعية الغربية أنه كانت لدينا ملابس نلبسها أزياؤنا الخاصة التي كنا نتزيا بها، قبل أن تصلنا موضات الغرب، وإني أفخر وأعتز بها.
* لا يمكن أن أجري معك هذا الحوار ولا أسألك عن (مكة) التي تعنيك شخصيا؟ ماذا تبقى منها.. مكة الطفولة أو البداية؟
- قد لا يمكنني أن أتحدث عن مكة الطفولة لأنني لم أعش طفولتي فيها. ولكن ذاكرتي المكية مرتبطة أكثر بأبي وأجدادي، وتاريخنا المكي المتحد مع أجياد (حاليا عاد والديّ للاستقرار في مكة) لكن مسألة الشعور بالذاكرة المكية كانت دائما حاضرة، ربما لأني كنت قاطنة الرياض. فكان الإحساس بالهوية الحجازية يبرز أكثر كما هو دوماً عندما يكون المرء أو المرأة في مجتمع مغاير، فكنت أشعر بأني حجازية جدا ومكية جدا، بارزة في اهتماماتي وميولي ولهجتي وحتى لبسي، ولكن بعد ذلك أصبحت الذاكرة والهوية المكية فكرية، وارتباطي بها أعمق باعتبار أن مكة هي مركز المعرفة الإنسانية الدينية. ومن الناحية التاريخية أصبحت مسؤوليتي تجاهها علمية وأخلاقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.