منذ القديم دَجَّنَ الإنسان الكلب، فأصبحَ بمرور الزمن رفيقه وحارسه، ومراقب قطيعه، وناطور حقله ومسكنه. ولقد وُصِفَ على الدوام بالوفاء والأمانة والنخوة والشهامة والإقدام. وتناولته قرائح الشعراء بالعديد من الصفات الحميدة، حتى أمسى أقرب حيوان مُدجَّن إلى قلب الإنسان، وبالمقابل باتَ الإنسان، الحيوان «الوحيد» المميَّز الذي أنِسَ به واستراح الكلب إليه! وبعد أن نَشَأَتْ وتشكَّلَت الحواضر والمدن، انحصرت مهمّات الكلاب الوظائفية في الريف، أي في المزارع والمراعي والمروج. أما الكلاب، التي جَلَبَهَا الإنسان معه إلى المدينة، أو التي استوردها فيما بعد بأنواعها المتعددة وفصائلها المتنوعة، فإنها تطبَّعَت بعادات وتقاليد وأمزجة «مدينيَّة» متحذلقة، بعيدة كل البعد عن المضمون الجاد لمفهوم «الكَلْبَنَة» الأصيل! واقتناها البعض واحتفظ بها -فقط- على سبيل الهواية والغواية والاستعراض، إلى أن انقلَبَتْ وتبدَّلت الأدوار، وتماهَتْ المقاصد والأهداف. إذ وَجَبَ أن يكون مالك الكلب هو نفسه: الحارس والمراقب والناطور، حتى لا نقول، الكلب الأمين لكلبه! وفي آخر المعلومات الطبية الجادَّة في رصد مكوِّنات تركيبة جسد الإنسان، تبيَّن أن 75% من جيناته، موجودة بشكل دقيق عند الكلاب! ولقد أجرى العلماء قراءات مستفيضة على رسوم وتخطيطات جينات الكلاب، التي هي عبارة عن بيانات تشرح تفاصيل المركَّبات الفيزيولوجيَّة والنفسية والاجتماعية والوراثية... لأهمَّ وأميَز وأفضل «النابحين»، وألطف من هزَّ ذَنَباً تقرُّباً وتودّداً من جميع بني حيوان على الإطلاق! وذلك للافادة منها ومقارنتها مع طبائع الإنسان! وألقت هذه الدراسة القيِّمة الأضواء على حقائق مثيرة للجدل، وثبتت فائدتها للباحثين والاختصاصيين والمتعمِّقين في فقه النباح وفلسفة العواء، الذين يهتمون بأمراض الإنسان والكلب على السواء، حيث يستوي ويتساوى الاثنان في طريقة العلاج وفي نوع الدواء! وقال علماء من الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث يوجد أكبر عدد من الكلاب في العالم -حسب احصاءات جمعية الرفق بالحيوان- إنهم تمكّنوا من استخلاص معلومات فائقة الدقَّة من جينات الكلاب، وقاموا بدراسات محورية مكثَّفة حول حاسّة الشَمّ عندها. وانطلاقاً من ركائز علم الجينات المقارن «الكلبو- بَشَر»، تبيَّن أن الكلب والانسان يجتمعان ويتوافقان ويتوحَّدان بحاسّة «الشَم»! هذه «الوحدة»، التي قيل بأنَّها أهمّ من «الوحدة العربيّة»! أو على الأقل أقوى وأفعل من التضامن العربي المزعوم. وقد استطاعت الكلاب استعمال كامل قدراتها «الشميَّة» في كشف واستكشاف المواد الممنوعة والمحظورة، من مخدّرات وسموم ومتفجرات، والتقصِّي الدؤوب، وبكفاءة عالية لتعقيدات وملابسات جرائم القتل والخطف والسرقات، كما استطاعت، وبدقَّةٍ متناهية التمييز بين الصديق والعدو، وبين اللطيف و»الثقيل»، وبين الوطني والعميل! وبين النملة والفيل!وكثيراً ما يصف الإنجليز حياة الرغَد والسعادة بجملة DOG'S LIFE! أي حياة كلاب! وذلك للدلالة على منتهى الرفاهية والعيش الهنيء! وبما أن علم الجينات «الشميّ» قد حَسَمَ أمر الأخوّة والعمومة والخؤولة مع الكلاب، فقد آن الأوان، خصوصاً بعد كل ما جرى ويجري أن يرتقي البعض من السياسيين إلى مستوى الكلاب!