منح فضاء الحرية الموجود في قنوات التواصل الاجتماعي منابر لجميع الناس، إحدى نتائج ذلك هي مبادرة نسبة كبيرة منهم لإبداء آرائهم في أمور كثيرة، أصبح الجميع يمارسون حالة نقدية لكل ظاهرة لا تعجبهم، منطلقين في ذلك مما يمتلكونه من ثقافة، ثمة مشكلة أساسية موجودة هنا وهي عدم إدراك نسبة من الناس للمعنى الحقيقي لكلمة (دليل علمي) ما يجعل نسبة من الانتقادات هي أشبه بالاتهامات القائمة على مجرد استحسانات أو ظنون لا ترقى بأي حال من الأحوال لتكون حجة كافية للاستدلال، من جانبٍ آخر فهناك مشكلة ثقافة الاختلاف المفقودة التي تقود هي الأخرى بعضهم لتخوين الآخر والوغول في تسقيطه، لا سيما أولئك العاملين في الجانب الخيري التطوعي، إحدى نتائج هذه الحالة هي النيل من شخصيات وطنية خيرة ونزيهة ما يتسبب في الإساءة إليها ودفعها إلى ترك العمل الخيري والانزواء عنه وفقد المجتمع لمجهودات هو في أمس الحاجة إليها. لكلمة الدليل تعريفات كثيرة أدلى بها فقهاء القانون واللغة، تدور في مجملها حول المادة التي تدل صاحبها على الحقيقة، وتتصف بالوضوح في الدلالة، بحيث لا يختلف على تفسيرها عادةً أغلب العقلاء، هذا المعنى البديهي لكلمة دليل هو ما يُمكِّن صاحبه من الوقوف أمام أي محكمة والإدلاء بشهادته بوضوح، في هذا السياق، يقول علماء المنطق: (النتائج تتبع أخس المقدمات)، ما يعني أنَّ الإنسان ربما يملك قدرة تحليلية جيدة ولكنه حينما لا يمتلك المقدمة الصحيحة التي يمتلك عليها الدليل والبرهان فإنَّ النتيجة ستكون لا محالة نتيجة خاطئة وربما كارثية، الذي يجري الآن على برامج التواصل الاجتماعي وفي المجتمع عموما، هو حالة عشوائية من النقد والتهجم والتراشق وتوزيع الاتهامات والتخوين، بناءً على معلومات هي في نسبة ليست قليلة مغلوطة وظنونا ليس لها أساس من الصحة، ومن المعروف أنَّ الشائعات عموماً قد تتسبب بشكل أو بآخر في الإخلال بالأمن أو لا أقل من الإساءة والظلم، من هنا فإنَّ الحاجة تبدو ماسة لوجود منابر إعلامية وتربوية تُرشد الناس عموماً لأهمية تحري الدقة والمصداقية في الحديث والنقد، وما لم يكن الإنسان على بينة واضحة من أمره فلا ينبغي له إبداء الرأي والحكم على الآخرين. بقدر جمال الحرية وقدرتها على إبداء الوجه الحقيقي لكل إنسان، بقدر ما تكون لها عواقب وخيمة حينما يُساء استخدامها، أستطيع أن أدعي أنَّ هناك نسبة من الناس تستغل فضاء الحرية الموجود استغلالاً سلبياً لتوجيه أسهم انتقاداتها اللاذعة للمختلفين معها، لا شك أنَّ النقد بحد ذاته ليس مشكلة، ولكن هناك فرقا بين النقد والافتراء، بين النقد القائم على دليل علمي وبين النقد القائم على ظنون وأوهام، من هنا ينبغي على كل إنسان تحري الدقة والموضوعية في النقد وألا تجره الخصومة والاختلاف في الرأي لتسقيط الناس وإهانتهم وتجريدهم من كل خير.