بعد رفض العراق الإنذار الذي وجهه الرئيس الأمريكي الأسبق بوش إلى الرئيس صدام حسين، في بيان صدر يوم 18 مارس 2003م، بدا واضحاً أن العراق مقبل على واحدة من أكبر الجرائم التي عرفها التاريخ الحديث بهدف احتلاله وتدميره. يروي السفير نبيل نجم في كتابه «إلى أن القيادة العراقية كانت، حتى ذلك الوقت، ترى أن العدوانيين لن يتمكنوا من احتلال بغداد، وأن هولاكو الجديد سيتحطم على أسوارها، وكان هدفها سحب القوات الأمريكية إلى حرب مدن وهو ما تجنبه الأمريكان، إلا في حالة الناصرية للضرورة. وتم احتلال بغداد نتيجة عوامل عدة أبرزها عدم التكافؤ في القدرات بين ما تملكه أمريكا من قدرات تدميرية حديثة وما لدى المقاتل العراقي من سلاح محدود الكفاءة، بالإضافة إلى الشعور بالإحباط لدى المقاتل العراقي، بعد توالي انكسار القوات العراقية في الطريق إلى بغداد وبروز الفقاعات وحالات التمرد في بعض المدن على السلطة العراقية وتخلصها من قبضة الحكومة المركزية». في الساعة الخامسة والنصف من فجر يوم 20 مارس 2003م أغارت طائرتان أمريكيتان وقصفتا مزرعة بمنطقة الدورة في بغداد. حيث كانت هناك معلومات وصلت للأمريكان تفيد بأن الرئيس صدام حسين -رحمه الله- مع قياديين من أركان حكمه موجودين فيها، حيث تم قصف الموقع نفسه بأربعين صاروخاً من نوع «توك هوك». جاءت عملية القصف هذه كخطوة أولى في طريق احتلال العراق. ففي اليوم التالي وبعد أن اكتشف الأمريكان أن ما أقدموا عليه لم يحقق مرادهم في القضاء على الرئيس صدام حسين -رحمه الله-، قصفوا بغداد ومناطق أخرى من العراق ب 1300 صاروخ في إطار ما عرف ب «الصدمة والرعبة» حيث استمر القصف اليومي على العراق عموما وبغداد خصوصاً ليل نهار لا يهدأ موازياً للغزو البري الذي تقوم به القوات الأمريكية والبريطانية في ذات الوقت. وكانت الطائرات التي تقصف لا تفرق بين موقع عسكري وآخر مدني حيث كان أزيزها وأصوات قنابلها والصواريخ بعيدة المدى تسمع وهي تتساقط على أكثر من مكان في بغداد والمحافظات الأخرى كما يروي نجم في كتابه. وعن أساليب الحرب النفسية التي مارستها القوات الأمريكية بعد يوم 20 مارس 2003م يقول المؤلف «بدأ الهجوم البري سريعاً إذ دخلت القوات الأمريكية الأراضي العراقية وأوجدت هي والقوات البريطانية موطئ قدم في ميناء أم قصر مكنها من إدخال مزيد من قواتها عن طريق البحر بعد قتال عنيف وشرس. وسعت القوات الأمريكية في أول دخول لها إلى السيطرة على حقول النفط. وواجهت القوات البريطانية أثناء تقدمها إلى البصرة مقاومة شديدة، خصوصاً في مدينة الزبير وأطراف البصرة. وتعرضت القوات الأمريكية في طريقها إلى بغداد لهجمات مقاومين خرجوا من المدن لمواجهتها بأسلحة خفيفة مما أوقف تقدمها، الذي استأنفته بعد حين، لتتحرك مارة ببحيرة الرزازة قرب كربلاء ولتعبر ممرا على الفرات لم تكن فيه دفاعات عراقية. واستمر تقدمها بعد أن أفشلت محاولة عراقية لتدمير جسر على نهر الفرات كان بالفعل ملغماً إلا أن الجهد الهندسي الأمريكي قطع أسلاك التفجير مما سهل عليهم وبعد مقاومة شديدة عبور الجسر إلى شرق الفرات. وهكذا تمكنت الدبابات الأمريكية من العبور والتقدم نحو بغداد لتقع معركة مطار بغداد بجولتين من القتال البطولي ضد الغزاة، الذين اضطروا لاستخدام الأسلحة المحرمة دولياً للسيطرة عليه وإلحاق أبلغ الأضرار بالمقاتلين العراقيين في المطار ومحيطه، بعدها توغلت القوات الأمريكية في أجزاء بغداد» تغيرت مجريات الأحداث وتطورت على نحو مغاير لما خططت له القيادة العراقية فعلى مشارف بغداد، بدأ الأمريكان بإنزال مجموعات محمولة جوا. ونظرا لعدم وجود غطاء جوي كانت القوات العسكرية العراقية الخارجة من مكامنها للقضاء على هذه الاختراقات تدمر من الجو، كانت هذه الأخبار تنتقل بسرعة للناس والمقاتلين. وبدأ التسرب من الوحدات العسكرية، في المدة من 4 إبريل وحتى احتلال بغداد يوم 9 إبريل 2003م، حيث كانت عزيمة المقاتل العراقي قد ضعفت إذ وجد نفسه أمام قوة وتقنية عسكرية وأسلحة متطورة لا تتوفر لديه وبذلك احتلت بغداد. يعترف نبيل نجم في كتابه أن الأمريكان أفشلوا ما كان القادة العراقيون قد خططوا له من سحب القوات الأمريكية إلى بغداد بعد إتعابها بحرب مدن في الطريق (وهو ما لم يقع) حيث كان التوقع أن حصار بغداد قد يستغرق ربما أكثر من ثلاثة أشهر حيث تم الاستعداد والتجهيز لذلك. إذ تم حفر آبار ماء وتوزيع مواد غذائية تحسباً وضماناً للصمود. وأقر الكاتب بأن احتلال بغداد بهذه السرعة كان نتيجة عدم الإدراك الكامل لطبيعة المعركة مع الأمريكان واختلاف موازين القوى من حيث التفوق التكنولوجي والحربي لصالح الأمريكان إضافةً إلى استخدام الأساليب الدعائية التي ساهمت وكان لها دور في إحباط عزيمة المقاتلين العراقيين. لقد مثل احتلال العراق وتدميره بداية لمرحلة جديدة في تغيير المنطقة ورسم ملامح جديدة وإعطاء ملالي طهران الضوء الأخضر للتدخل في شؤون المنطقة وتغذية وكلائها لتنفيذ الجرائم الإرهابية في محاولة لزعزعة أمن واستقرار وتنفيذ أطماعها التوسعية التي تحتاج منا مواجهتها والوقوف أمامهما بكل حزم وقوة وفق إستراتيجية خليجية موحدة لقطع يدها ويد وكلائها في المنطقة. حفظ الله بلادنا ووفق قيادتنا وسدد خطاها لما فيه خير البلاد والعباد، وأدام الأمن والاستقرار على بلاد المسلمين.