يمكن القول إن هناك شقين للعمل الاستراتيجي الصحي: فهناك عمل يمكن وصفه بأنه عمل قصير الأجل ويقابله الشق الآخر وهو العمل طويل الأجل. وهذان الشقّان (قصير الأجل و طويل الأجل) يمكن وضعهما تحت جدول بإحداثييه الصادي و السيني، و يكون الإحداثي الصادي هو ما يسمى بالعاجل (urgent) و الإحداثي السيني هو المهم (important). و كما نعلم، فإن كل إحداثي (العاجل والمهم) يبدأ من الصفر، والذي يشير إلى الأقل نسبة في الأهمية أو العجالة، و ينتهي بنسبة ( 100 %) في نسبة الأهمية أو العجالة. إذاً، وبناءً على ما تقدّم، يمكن القول إن هناك ما يمكن تصنيفه بأنه مهم جداً وعاجل جداً و تكون نسبته من فوق (50 % إلى 100%) و في المقابل، يكون هناك ما يمكن تصنيفه بأنه أقل أهمية وأقل عجالة في الأداء (أقل من 50 %)، و بين المؤشرين، هناك نسبتان بين الأهمية وما هو عاجل (واتركها للقارئ العزيز). وأهمية ما تقدم ذكره، يمكن القول، إنه يترك لكيفية تفكير القائد الصحي إدراكه في قيادته لعجلة الرعاية الصحية، سواء كان ذلك في منشأة صغيرة أو كبيرة أو يكون ذلك علي مستوى إدارة الخدمات الصحية في المنطقة أو حتى على مستوى القيادات الرفيعة في مقام الوزارة، و سأركّز في مقالي هذا على الأهم والعاجل في الخدمات الصحية في مختلف المنشآت الصحية، حيث إنها مكاني المفضل في العمل، أما غير ذلك فإنني سأتركها لأهلها. ومن مختلف مشاهدتي الحية على عمل كثير من القيادات الصحية لمختلف المنشآت الصحية، هو التركيز على العمل قصير الأجل دون التركيز علي العمل طويل الأجل، و قد يكون عذرهم في ذلك هو أن عملي يقتصر على ذلك وأن غير ذلك قد تكون من مهام غيره من قيادات أخرى! ومن وجهة نظري، يُعد اعتذاراً مقبولاً و له من المبررات الشيء الكثير، حيث إنه مرتبط بما يتوفر لديه من موارد بشرية و مادية و صلاحيات إدارية (محدودة جداً) يكون لها أثر كبير في محدودية قدراته العملية داخل المنشأة الصحية. و لكن، يأتي الحديث المهم في هذا الموضوع بالتركيز على العوامل التي قد يكون لها من التأثير السلبي أو الإيجابي على عواطف العاملين في المنشأة الصحية و خاصة عندما يكون العامل (بمختلف فئاتهم المهنية) بعيداً برأيه في اتخاذ القرارات التي تكون مرتبطة حسبما تم ذكره سابقاً من الأهمية أوالعجالة في الخدمات الصحية المقدمة. إذاً، عندما يكون هناك اهتمام بالأخذ برأي مختلف طوائف العاملين في الخدمات الصحية، يمكن وقتها تصنيف معظم القرارات التي تكون بناءً على ما هو عاجل ومهم أو يكون في مستوى الأقل أهمية وأقل عجالة في الدراسة أو التطبيق. و للوصول إلى ذلك، يأتي الدور المهم فيما يسمى بالمسح الشامل (survey) في تقييم مختلف الأعمال داخل المنشأة الصحية. باختصار… النظرة الاستراتيجية للرعاية الصحية طويلة الأجل أو قصيرة الأجل، تتطلب أن تكون هناك دراسة مستمرة مبنية على رأي أصحاب الخبرة في العمل الصحي إلى جانب من تكون لديهم القدرة على تحليل النتائج وبناء القرارات التي يمكن من خلالها اتخاذ الخطوات المهمة في مجال الخدمات الصحية. نعم، لابد أن ندرك أن القرارات العاجلة ممن يريد الوصول إلى نتائج سريعة قد تكون مؤثرة سلباً أكثر منها إيجاباً في مسيرة الخدمات الصحية والتي يكون انعكاسها على المستفيد من تلك الخدمات (المريض) واضحاً، ولكن قد يكون ذلك على المدى البعيد.