لم تعد أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة ودورها الاقتصادي والاجتماعي محل جدل بل على عكس ذلك فقد أضحى التركيز عليها والتوجه نحو تطويرها وتنميتها مثار اهتمام متخذي القرارات وواضعي السياسات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. ومرد ذلك لما تتمتع به هذه المنشآت من خصائص ومزايا تتفوق بها على المنشآت الكبيرة. ومن بين أهم هذه الخصائص ضآلة التكاليف الرأسمالية اللازمة للبدء في المشروع ، الأمر الذي يساعد على انتشارها لتغطي مناطق واسعة وعددا كبيرا من السكان وبالتالي تلعب دورا في تخفيف حدة البطالة من خلال توفير الفرص الوظيفية ، كما أن اعتمادها على الموارد المحلية وإمكانية التصدير من شأنه دعم ميزان المدفوعات. علاوة على ذلك تعمل منشآت الأعمال الصغيرة على تعبئة الادخار والاستثمار المحلي وتعتبر من الأدوات الهامة في تحقيق التنمية المتوازنة وتحقيق التكامل الخلفي والأمامي مع المنشآت الكبيرة داخل الدولة. وفوق ذلك فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تمثل المصدر الأساسي للإبداع وانتشار الأفكار الجديدة ومحاولة تطبيقها على أرض الواقع سواء في المجال الصناعي أو الخدمي. وتسعى منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة في كثير من الأحيان للمحافظة على الصناعات الحرفية ودور الأسرة الممتدة المكون الأساسي للنسيج الاجتماعي في الدول النامية. وعلى الرغم من الأهمية والمزايا التي تتمتع بها منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة إلا أن دراسات تحليل واقع هذه المنشآت اظهرت العديد من المشاكل التي تعاني منها في كثير من الدول وأن هذه المشاكل مرتبطة ببعضها البعض من حيث الأسباب والنتائج. ويمكن تصنيف هذه المشاكل إلى نوعين: مشاكل داخلية ترتبط بالمنشأة نفسها وسببها في الغالب هو وجود اختلال في الهيكل الداخلي للمنشأة، ومشاكل خارجية تتعلق بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل في ظلها المنشأة. وبناء على الدراسات السابقة يمكن حصر هذه المشاكل وهي مشاكل ادارية: وتتمثل هذه المشاكل في مركزية اتخاذ القرار حيث يضطلع فرد واحد وهو المالك المدير بمسؤولية جميع المهام الإدارية والتنظيمية فهو مدير غير محترف. إضافة إلى ذلك تعاني معظم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبدرجات متفاوتة من عدم وجود هيكل تنظيمي وعدم وجود لوائح داخلية واضحة وهذا الوضع بالضرورة ستنتج عنه مشاكل إدارية عديدة. ومشاكل تسويقية: ينحصر مفهوم النشاط التسويقي بالنسبة لمنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة في البيع والتوزيع وإهمال الجوانب الخاصة بدراسة السوق والتي تعتبر من الجوانب الهامة لتصريف المنتجات وتقديم الخدمات وما يترتب عليها من وجود سلع وخدمات متماثلة تقلل من ربحية المنشأة وخروجها من السوق. وقد يعزى السبب في ذلك إلى نقص الخبرات والمؤهلات لدى العاملين وعدم القدرة على التمييز بين التسويق والبيع. ومشاكل تمويلية: وتتمثل في عدم قدرة معظم أصحاب المنشآت على توفير التمويل الذاتي اللازم لإقامة وتوسيع وتشغيل منشآتهم وفي نفس الوقت صعوبة الحصول على التمويل المصرفي من البنوك التجارية لعدم توافر الضمانات وعدم القدرة على مقابلة شروط منح الائتمان وعدم انتظام التدفقات النقدية الداخلة للمنشأة بسبب موسمية النشاط أحيانا. و مشاكل خارجية تتمثل في غياب الأطر والقوانين والجهات المنظمة والمشرفة على المنشآت الصغيرة والمتوسطة أو على الأقل عدم فعاليتها في المساهمة في التطوير والمساعدة في التغلب على المشاكل المذكورة أعلاه. يرتبط تكوين المنشآت الصغيرة والمتوسطة بمفهوم المبادرة ويعتبر هذا المفهوم المحرك الأساسي لتكوين منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة حيث نجد من يساوي بين مصطلح المبادر وصاحب المنشأة الجديدة ومديرها مع العلم أن عملية المبادرة أوسع وأشمل من مفهوم المالك المدير لمنشأة صغيرة أو متوسطة. وتتعلق عملية المبادرة بجميع الوظائف والأنشطة والأفعال المرتبطة بالإدراك أو التعرف على الفرص الاستثمارية الواعدة ومن ثم العمل على تكوين تنظيم أو كيان بهدف الاستفادة من تلك الفرص وتحمل النتائج المترتبة على ذلك. وتعتبر عملية تأسيس مشروع جديد قرارا فرديا يعكس القدرات والمؤهلات النوعية التي تتوافر لدى الفرد وبالتالي فإن هذه القدرات تشكل محورا هاما عند دراسة وفحص عملية المبادرة وأصحابها. من بين أهم الخصائص التي يتوقع ويجب أن يتحلى بها أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة (أو المبادرون بشكل عام) هي القدرة على الابتكار والقدرة على اتخاذ القرار. فخاصية الابتكار تشير إلى قدرة الفرد على إنتاج حلول لمواقف جديدة وهذه الصفة ترتبط بالضرورة أو افتراضيا بالقدرات لدى المبادر التي اكتسبها من خلال التدريب والخبرة. أما خاصية اتخاذ القرار فبالإضافة إلى أنها نتاج أو جزء من الخبرة التي يتمتع بها المبادر إلا أنها ترتبط أيضا بنوعية التدريب الذي تلقاه المبادر وكذلك الموارد التي بحوزته أو تلك التي يمكن أن يصل إليها. ويمكن القول أن العوامل المذكورة أعلاه تشكل قيما ومن خلال فحص الخصائص التي ينادي بها كل من مدخل السمات والمدخل الموقفي يمكن تصنيف هذه الخصائص والعوامل إلى ثلاث مجموعات يفترض أنها تشكل أساس النجاح عند أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة على النحو التالي : خصائص جوهرية يجب أن يتمتع بها المبادر وخصائص مرغوب فيها ومنها الإبداع والاستقرار النفسي والذكاء والطاقة والتحلي بالقيم العالية.و خصائص يجب الابتعاد عنها وتشمل الرقابة الزائدة والمثالية والتشدد وادعاء المعرفة بكل الجوانب والتهور والاندفاع دون تعقل والتخلي عن المشروع عند ظهور أول علامة للفشل والانطوائية والغرور عند النجاح وعدم تحمل مسؤولية الفشل ونسبه للغير. وبالرغم من الدراسات التطبيقية التي تمت في هذا المجال إلا أنها لم تتوصل إلى خاصية أو سمة واحدة ترتبط ارتباطا قويا بعملية المبادرة أو تتوافر في جميع أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وأشارت بعض الدراسات إلى وجود بعض المتناقضات في قدرة النماذج السلوكية على التنبؤ بخصائص المبادرين. كما أنه من الصعب الجزم بوجود مجموعة محددة من الخصائص يمكن بواسطتها تمييز المبادر من غير المبادر . ومع ازدياد الفشل النسبي للنماذج السلوكية في التنبؤ بخصائص وسلوك أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة اتجه الباحثون إلى استخدام مدخل التصنيف كوسيلة لدراسة وفحص الأنواع المختلفة لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتصنيفهم بناء على أسس معينة بعد دراسة خصائص كل فئة. ومن بين الأسس الشائعة في تصنيف المبادرين هي: الخصائص المتماثلة أو المسيطرة، ودوافع التأسيس، والخبرة أو الوظيفة السابقة، وطبيعة الأنشطة. إن المبادرين على الرغم من اختلاف السمات والخصائص والخبرات إلا أنهم يشتركون في خاصية واحدة ألا وهي الرغبة في تكوين منشأة جديدة. وعندما يقرر الفرد منهم الإقدام على اتخاذ مثل هذا القرار الاستراتيجي، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما الاستعدادات المتوافرة لديه والتي بني على أساسها اتخاذ مثل هذا القرار؟ لا شك أن من بين أهم العوامل الخبرة السابقة التي تعتبرها مصادر ومؤسسات التمويل عاملا مهما في نجاح المنشأة وبالتالي فإن الخبرة العملية المتميزة تعد من المؤهلات الأساسية التي تضمن للمنشأة تأمين الموارد المادية وغيرها . وقد استخدمت الخبرة السابقة لأصحاب المنشآت الصغيرة لتفسير التباين والاختلاف في أدائها، حيث يرى (Cooper 1981) أن اكتساب الخبرة قبل الدخول في المشروع الجديد يعتبر بمثابة حاضنة لعمليات مبادرة لاحقة وبالتالي نجاح المنشأة الجديدة. وذات النتيجة أقرها (Krueger and Brazeal 1994) حيث أشارا إلى أن الخبرة السابقة تعمل على زيادة عمليات المبادرة وتكوين المشروعات الجديدة بسبب تمتع أصحابها بالقدرات والمهارات المكتسبة سابقا واستغلالها في تحديد واغتنام الفرص الاستثمارية. وقد اكتشف (Lerner and Almor 2002) أن توافر الخبرة السابقة له الأثر الواضح في نجاح المنشأة وتحقيق مبيعات إضافية. أما دراسة (Hynes 2003) فقد ركزت على أن نوع الخبرة السابقة التي يعتمد عليها المبادر في تكوين المشروع الجديد تساعد في تحديد نوعية البرامج التعليمية والتدريبية للمبادرين بصورة عامة ولمحدودي الخبرة بصفة خاصة من أجل تقليص الفجوة بين ما يملكونه من خبرات وبين المستوى المطلوب من المهارات اللازمة لنجاح المشروع. وتجدر الإشارة إلى أن الخبرة السابقة والتي تتمثل في الخلفية التعليمية أو التدريبية للمبادر أو في طبيعة النشاط أو نوع القطاع الذي سبق أن عمل فيه غالبا هي التي تشكل احد دوافع تكوين المنشأة الصغيرة. أما الخبرة السابقة القائمة على الملاحظة غير المباشرة أو المكتسبة عن طريق الاتصال مع مبادرين آخرين فقد تلعب دورا أقل. وفي حالات أخرى قد يدخل المبادر إلى دنيا الأعمال الصغيرة دون سابق خبرة وإنما انطلاقا من عدم الرضا الوظيفي ودوافع أخرى. وبالرغم من الجهود التي بذلت لتصنيف المبادرين على أساس الخبرة العملية إلا أن مثل هذه الدراسات نادرا ما عمدت على توضيح المدلولات العملية لمثل هذه التصنيفات، مثل المساهمة في حل المشكلات التي تعاني منها المنشآت أو وضع البرامج التطويرية أو تحديد الفئات أو المجموعات التي يجب أن تحظى بأولوية الدعم والرعاية. *قسم إدارة الأعمال- كلية الإدارة والاقتصاد - جامعة قطر المشاكل التمويلية عنصر هام يعيق الصناعات المتوسطة