لعقود مضت كنا نُبهَر بكبائن لندن الهاتفية إذا سافرنا، وقبل عدة سنوات توفرت كبائن الهاتف في الشوارع وكذلك في الطرق السريعة مع دليل للهاتف، إلا أنها لم تستمر إلا لفترة قصيرة قبل أن يتم إتلافها من قِبَل بعض اللامسؤولين، وحُرم من كان في حاجتها. نتحسر حين نشاهد نوافير هنا وهناك وحدائق، حتى توفرت لنا الحدائق والمتنزهات والنوافير، ثم قامت فئة أخرى من اللامسؤولين وأتلفتها خلال فترة وجيزة، وحرمت الآخرين منها. نطالب بشواطئ وشاليهات، لكن أصبحت الشواطئ مزابل تستدعي سكن أنواع من الحشرات والقوارض، فبات الجلوس على الشاطئ أشبه بالمستحيل؛ بسبب المناظر المقززة والروائح الكريهة. تصرفات عبثية لا مسؤولة ولا تنتمي لنا، وأخشى ما أخشاه أن تصل هذه التصرفات اللامسؤولة للقطارت التي ننتظر. طالبنا بالترفيه، وكنت منهم بعدة مقالات كتبتها في ذلك الشأن، إلا أنني وبعد المشاهدات والمتابعات والفوضى التي تسبب فبها بعض الأشخاص وتسيء لآخرين لا ذنب لهم، بدأت أشك إذا كنا فعلاً «ما ننعطى وجه». انفلات أخلاقي وتصرفات غير محسوبة لا تمثل مجتمعنا المحافظ مهما كانت درجة تحررنا، ولا تمثل هويتنا الوطنية، والسيئ مع الأسف يخرب على الجيد، و»الشخبطة» على الجدران ليست حرية شخصية وليست فناً حين يرغب الآخرون في رؤية جدار نظيف.! لماذا لا نرى الصخب والضوضاء والانسلاخ من القيم والمبادئ إلا في التجمعات الشاذة التي يستنكرها حتى الأجانب في بلادهم، وفئات معينة هي التي تشارك فيها وتحضرها؟! ليس هذا الترفيه الذي ننتظر، وليست هذه الأفعال التي نرغب أن يمارسها أبناؤنا وأحفادنا، فنحن مهما انفتحنا على الآخر نبقى مجتمعاً محافظاً ومتمسكاً بقيمه ومبادئه وتراثه، ولا نرغب بأي حال من الأحوال أن نكون نسخة ممسوخة عن غيرنا من الثقافات. أتصور ومن وجهة نظر شخصية وبعد متابعة لمجريات الأحداث في الفترة الماضية أننا بحاجة للتدرج في الترفيه ونوعيته بما يناسب المرحلة وبما لا يخل بالدرجة الأولى بضوابطنا المجتمعية وبهويتنا المحافظة؛ فالتغيير الحاد في المجتمعات وفي أي شأن كان له ردود فعل عكسية قد لا تخدم أهداف التغيير مهما كانت. لماذا لا يبدأ الترفيه بمهرجانات وطنية من تراثنا المحلي وثقافاتنا المتعددة من الجنوب والشمال والشرقية والغربية ووسط المملكة والفنون الخليجية؟ هناك مجالات للترفيه مختلفة ولا نحدها بالطرب، وإن شئنا أن نستفيد من التجارب الغربية فلا يمنع لكن بشرط أن يراعى وضع المجتمع وتقبله. والحقيقة لم أكن أتصور أن يكون هذا رأيي وأنا من أوائل المطالبين بالترفيه، ولكن لكل مقام مقال ولكل حادث حديث. مهما كانت الأهداف نبيلة والنيات طيبة، فلابد وبالدرجة الأولى أن تتوافق مع قيم المجتمع ومبادئه وأخلاقياته، وهذه مجتمعة تمثل هويتنا المحافظة، وهي ما يميزنا عن غيرنا، وكثير منا سافر هنا وهناك وطاف العالم ربما، ونرى أن الترفيه بتعدد مصادره لم يلغِ هوية البلد، ولم يستنسخ هوية جديدة لا تنتمي له. حتى نمسك العصا من المنتصف علينا التدرج وتهيئة المجتمع لأن يتقبل ويتفاعل من المتغيرات بصورة طبيعية، فما حدث مع ردود أفعال هو مسيء للهوية الوطنية ومرفوض مهما شعرنا بالحاجة للترفيه. نسأل الله السلامة.