أعتقد أن مسؤولية المثقف من ضمنها ما يمكن تسميته بالمسؤولية الثقافية، مسؤولية التوثيق والتدوين التاريخي للأحداث والأشخاص التي حدثت في مكان كل كاتب ومبدع ومثقف. كل من لديه القدرة على الكتابة التي تحمله أمانة يعجز عنها كثيرون، وتتعلق بحفظ تاريخ «مدينته أو قريته أو حارته». حدود نشأته الأولى ونشأة والديه إن استطاع تسليط الضوء عليها ورصد ملامحها داخل روح الكتابة الخالدة.. التي لا تندثر كما يندثر التاريخ الملموس والوقائع الشفوية. تقصي مختلف الأحداث التي تحكيها الجدات، من واقع معايشتهن أو حتى من تأليف خيالتهن الحميمية. مسؤولية من يستطيع الكتابة والعمل على إنشاء ذاكرة احتياطية لتلك التي تنحسر ببطء نحو الاختفاء الكلي. تقصيها من الرواة ومن الشعر ومن الأساطير ومن كل مصدر مهما بلغت خيالاته. برفقة أحد الأصدقاء من أبناء قرى «بني سعد»، تجاذبت أطراف الحديث والشجن معه قبل فترة قريبة، حول تلك الحيوات المذهلة التي مرت من هناك، والثقافة الخام التي يمكن بناء عوالم متعددة وأصيلة عليها. ثقافة القرية هي المنبع الأول لكل ثقافة، حيث كل شيء هناك له وقع. القصص التاريخية المختلفة والحياة الاجتماعية البسيطة والحقيقية، الأحداث والأساطير، والشعر كذلك والفنون الشعبية الإبداعية العميقة، فضاء التواصل المفتوح والحر بينهم، وشبكات مجتمعي الزراعة والرعي التكاملية. الأيام التي عبرت من هناك وهي عامرة بالتفاصيل والحياة والأحداث لم يبق منها شيء. مات من كل قرية أبطال ورواة وشعراء وجدات وانتهت دون أن توثق إلا على ألسنة من يتذكر النزر اليسير. واليوم.. كثير من تلك القرى خالية على عروشها المجيدة. وقد أصابها التصحر للأسف ونزوح الأهالي إلى المدن البعيدة. المدن التي بلا معنى ولا ذاكرة. جفت مياه الآبار، وجذور الجنة التي كانت، أسفي على لحظات لم تحفظها مسودة الخلود الورقية.. في «بني سعد» وفي كل قرية أخرى من هذا العالم اختفت. Retweet: «إذا كانت حياتنا مريضة، فلابد أن يكون الفن مريضاً أيضاً (غوغان)