مازالت وتيرة تسريح الموظفين السعوديين العاملين في القطاع الخاص تتصاعد وتتجه نحو الزيادة في ظل صمت غير مبرر من الجهات الحكومية المسؤولة عن تطبيق نظام العمل تحركه أحياناً ردة الفعل التي لا تساوي حجم كرة الثلج التي بدأت تكبر وتتنامى. المراقب للمشهد العام لما يحصل حالياً يرى أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية المسؤولة عن تطبيق النظام لم تقم بدورها المطلوب، وجل ما قامت به هي ردود أفعال لامتصاص غضب الرأي العام السعودي في ظل حالة الاحتقان والتشنج الشعبي واسع النطاق التي صاحبت فصل عدد من السعوديين في الفترة الماضية ومازالت مستمرة. في الوقت الذي كان الجميع يتطلع إلى قرارات جادة وحاسمة توقف تلك المهزلة والمسرحية التي باتت تؤرق كثيرا من الأسر السعودية. لم تكن وزارة العمل على ما يبدو جادة في حل تلك المشكلة ومعالجة هذا الملف الحساس، بل إن ما صدر منها لا يعكس الدور الحقيقي المنوط بها والمفروض عليها القيام به في مثل تلك القضية التي مازالت تبعاتها تتزايد يوماً بعد آخر. تذرعت بعض الجهات التي قامت بالفصل بأنها سرحت مجموعة من الموظفين نتيجة الخسائر وإعادة ترتيب أوراقها، وكان من تلك الجهات بنوك محلية مازالت تحقق أرباحا مستمرة. إن أي ردة فعل أو حديث لا يتجه مباشرة نحو إصلاح الخلل الحاصل ومعالجة أصل المشكلة وهو المادتان 77 و78 من نظام العمل اللتان تم استخدامهما من قبل المنشآت والشركات ضد الموظفين السعوديين بحجج مختلفة هي نوع من تضييع الوقت وإطالة أمد المشكلة. كتب عديد من المهتمين والمتخصصين في هذا الموضوع وتحدثوا عن أهمية مراجعة ووقف العمل بالمادتين اللتين تم استغلالهما من قبل بعض شركات القطاع الخاص، إلا أنه وحتى تاريخه لم نر أو نسمع باتخاذ خطوة جادة وفي الاتجاه الصحيح. في ظل توقعات بأن معدلات فصل السعوديين ستزداد في الفترة المقبلة، وهو ما يتطلب قرارات بحجم هذا الملف الحساس والمهم لجميع شرائح المجتمع. تؤكد بيانات الهيئة العامة للإحصاء، أن معدل البطالة بين السعوديين ارتفع إلى 12.1 % في نهاية سبتمبر الماضي، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة لتوطين الوظائف. هذا يعني أن معدل البطالة مرشح للارتفاع والزيادة خلال العام الحالي وبنسب لا يمكن التنبؤ بها، خصوصاً مع الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها بعض شركات القطاع الخاص بفصل السعوديين، إذ إن المعدل قد ارتفع فعلياً في الربع الثالث من العام الماضي إلى 12.1 % من نحو 11.6 % في الربع السابق. في الوقت ذاته فإن بيانات الهيئة العامة للإحصاء تشير إلى أن عدد الوافدين بلغ نحو 10.07 مليون نسمة في نهاية عام 2015م أي ما يمثل أكثر من ثلث عدد السكان الإجمالي البالغ 30.6 مليون نسمة. عندما تم إجراء بعض التعديلات على نظام العمل خصوصاً المادة 77 تعهد حينها وزير العمل السابق مفرج الحقباني بأن الوزارة لن تسمح باستغلال المادة من قبل شركات القطاع الخاص لفصل السعوديين، ولكن ذهب مفرج وبقيت المادة وتم استغلالها ولم يتحرك الوزير الجديد تجاه حلحلة تلك القضية. في هذا الوضع الحالي لا يرى ضوءٌ في آخر النفق، حيث يقف الموظفون السعوديون متسائلين عن دور مؤسسات الدولة التي من المفترض عليها حماية مواطنيها والدفاع عن حقوقهم وضمان استقرار البيئة الصحية لكل من الموظف ورب العمل لدفع عجلة التنمية للأمام. بعد أن فقد السعوديون الأمل في وعود وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التي قطعتها على نفسها، منذ زمن تتجه الأنظار لمجلس الشورى الذي أبدى عدد من أعضائه الرغبة في مناقشة الموضوع وطرحه. لكن السؤال الأهم في حال مناقشة تلك القضية والتوصل إلى حل بشأنها، ما الذي يستطيع مجلس الشورى أن يفعله بعد المناقشة والتصويت؟ من المعروف أن المجلس جهة استشارية وبالتالي فإذا لم يستطع أعضاؤه التفكير بصوت عال لإيصال صوت المواطن من خلال مجلسهم، فإن حالة الإحباط العام لدى الرأي العام ستزداد ولن يهتم المواطن بمجلس الشورى ومخرجاته. كشف تقرير للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن 16 % من العاملين في القطاع الخاص سعوديون في حين بلغت نسبة العمالة الوافدة 84 %، ومن المحزن أن 48 % من السعوديين في القطاع الخاص لا تتجاوز رواتبهم أقل من ثلاثة آلاف ريال أي حوالي النصف، إحصائية صادمة تبين حجم الخلل الحاصل، من المسؤول عن هذا الوضع وأين خطط وزارة العمل ونطاقات وغيرها، إن هذا الوضع الذي وصلنا إليه يستدعي الوقوف والمساءلة عن المتسبب في هذا الوضع الفاضح. المطلوب اليوم من جميع المؤسسات الحكومية المعنية بهذا الملف إيجاد توافق بينها للخروج برؤية وحل جذري لهذا الملف الحساس الذي يهدد كيان الأسرة السعودية ويزيد الأعباء الأمنية على البلد وقد تستغله جهات خارجية لا تريد الخير لبلادنا، حفظ الله بلادنا من كل مكروه ووفق قيادتنا لما فيه خير البلاد والعباد.