ركّز خطيب الجمعة في المسجد الحرام أمس على غاية الفوز برضا الرحمن، فيما تحدث خطيب المسجد النبوي عن عبادة خشية الله في الغيب والشهادة. ووصف خطيب المسجد الحرام، الدكتور ماهر المعيقلي، الفوز برضا الرحمن ب «أسمى المطالب وأعظمها وأجلّ الغايات وأكملها». وشدّد: «ما من مسلم رضي بالله تعالى رباً إلا وهو يلتمس الطرق التي تقرّبه من ربه». وأوضح في خطبته أن «من أعظم أسباب رضا الرحمن توحيده جل جلاله والاعتصام بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثة ويكره لكم ثلاثة ويرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فارقها والله عنه راض)». ووصف الشيخ المعيقلي ذكر الله سبحانه وتعالى بأرضى الأعمال لله. وشرح قائلاً: «الذاكر يجد السعادة في قلبه والطمأنينة والرضا في نفسه مهما تكالبت عليه الهموم والغموم لقوله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا وما ذاك يا رسول الله؟، قال ذكر الله». وأشار الشيخ إلى المحافظة على الصلوات وأمر الأهل بأدائها كأحد موجبات رضا الله عز وجل عن العبد. وأبان قائلاً: «أثنى سبحانه وتعالى على إسماعيل عليه السلام (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا)». وتطرقت الخطبة إلى أهمية المعاملة الحسنة والكلمة الطيبة وأثرهما البالغ في النفوس، إذ «يكتب الله لصاحبها رضوانه إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم لا يتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه)». ونبّه المعيقلي قائلاً: «أولى الناس بحسن المعاملة وطيب الكلام من كان سبباً في وجودك بين الأنام فأقصر طريق لرضا الرحمن هو رضا الوالدين». وتساءل: «كيف ينسى المسلم هذا الباب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد)؟ فجعلَ رضا الوالدين مقترناً برضا الرحمن». وأكمل الشيخ: «من فضل الله على عباده أن جعل تحصيل رضاه من أيسر العبادات فمن حمد الله وشكره على النعم فاز برضا المنعم لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها)». وكانت الخطبة بدأت بحثّ المسلمين على تقوى الله عز وجل في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى؛ والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. فيما ركز خطيب المسجد النبوي، عبدالله البعيجان، على عبادة خشية الله في الغيب والشهادة، وعدّها عبادة عظيمة وجليلة، قائلاً: «هي من أجل العبادات وأعظم القربات». وبعدما لفت إلى «الانفجار المعرفي والتقدم التقني وانفتاح العالم وتغلغل الغزو الثقافي»؛ شدد البعيجان في خطبته أمس: «المسلم يحتاج في نفسه وفي تربية أهل بيته إلى خلق عظيم وعبادة جليلة هي من أجل العبادات وأعظم القربات؛ تحول بين المرء وبين محارم البدن ومعاصيه وبها ينزع العبد عن الحرمات ويقبل على الطاعات؛ هي أصل كل فضيلة وباعث كل قربة وهي التي تزرع في القلب هيبة الله عز وجل؛ إنها خشية الله في الغيب والشهادة». وبحسب تعبيره؛ فإن هذه العبادة أساس صلاح الدنيا والآخرة، ومناط التقوى، وبرهان الإيمان، وثمرة التوحيد والإخلاص، ومنبع حسن الخلق؛ يحتاج إليها الإنسان كي يعيش بشراً سوياً. ووصف البعيجان خشية الله في الغيب بأنها مقتضى الإحسان «أن تعبد الله عز وجل كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك». وتابع الشيخ قائلاً: «ومن لوازمه الشعور برقابة الله تعالى والعلم بأنه شهيد رقيب على قلوب عباده وأعمالهم؛ لقول الله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )؛ وأنه معهم حيث كانوا (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)، فمن عَلِمَ أن الله تعالى يراه حيث كان وأنه مطّلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر». كذلك؛ أبانت الخطبة أن خشية الله بالغيب مفتاحٌ لأبواب المغفرة و»فيها خير كثير وأجر كبير (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهي سببٌ لحلول مرضاة الله ودخول جناته (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُود)». وذكّر الشيخ البعيجان بأن خشية الله بالغيب «صفةٌ من صفات المتقين (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِين الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)». كما لفت النظر إلى أن الحجارة وهي جماد تخرّ وتتصدع من خشية الله، مستشهداً بقول الله تعالى: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)». وختم البعيجان خطبته بالقول: «حريٌ بنا عباد الله أن نتذكر؛ وبقلوبنا أن تخشع وتعتبر، قال تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)».