كما تم ذكره سابقاً أن مشكلة التعليم كتعليم مرتبطة بالأركان الأربعة.. الطالب.. المعلم.. البيئة التعليمية.. والمنهج.. وتم ذكر أن العمل على كل ركن بمفرده لا يفيد.. إذ إنها منظومة متكاملة، ويجب أن تعالج كمنظومة واحدة وفق رؤية واضحة.. وهي تأهيل الطلبة بالمعرفة والمهارة والأخلاقيات القويمة، وتهيئتهم للحياة بشقيها العملي والشخصي، وخدمتهم، والاهتمام بهم لغرس الولاء والانتماء للوطن. بالنسبة للطلبة فلا يفترض أن تكون هناك مشكلة أساساً.. إذ إن أبناءنا وبناتنا بذرة لينة.. على الفطرة.. ومستعدة للتشكيل بأجمل ما يمكن إذا توفرت عوامل هذا التشكيل.. بل غالباً ما يكونون أكثر من مستعدين مع التقدم الكبير في التقنية وبمواكبتهم لهذا التقدم منذ نعومة أظفارهم.. ولكن ما يحتاجونه هو المعلم القدير لشرح المنهج المتكامل في بيئة تعليمية متميزة.. (هذا بالطبع لا يلغي دور الأسرة المهم في المنزل لمتابعة أبنائهم متابعة مستمرة لنصل إلى التكامل المطلوب).. ولكن وكما تم ذكره في المقالة السابقة فإن دور الأهل هو الأساس في مرحلة الطفولة المبكرة وقبل ذهابهم إلى المدرسة، وحق التعليم علينا أن نقوم بدورنا مع أبنائنا ليكونوا جاهزين لمرحلة الدراسة الابتدائية.. ومراحل التعليم اللاحقة.. فنجاح أبنائنا في الحياة العملية يبدأ من طريقة تعاملنا معهم في مرحلة الطفولة المبكرة. بالنسبة للبيئة التعليمية (أو التعلُّمية).. فهي مهمة جداً؛ إذ إنها المحضن للعملية التعليمية والتعلمية.. وحين أقول «بيئة» فأنا أعني المباني المدرسية وما تحتويه من خدمات وتجهيزات.. جامدة وغير جامدة.. فلا يجب أن تكون مدارسنا فصولاً وممرات.. بل يجب أن تكون أماكن محفزة للوجود بها.. وأماكن يرغب طلبتنا في قضاء أوقات جميلة بها.. إذ يجب أن تكون منازل أبنائنا الثانية.. ومجهزة بأفضل التجهيزات العلمية والخدمية والترفيهية.. وأن تكون محفزة للتعلم والإبداع.. ولا أريد الإطالة في هذا الموضوع الآن، ويحتاج إلى أكثر من مقالة ربما.. ولكن في نفس الوقت، الموضوع ليس معقداً ويمكن الوصول إلى تصاميم ونماذج تشغيلية رائعة يمكن تنفيذها بناءً على فهم ما نريد الوصول إليه عبر هذه البيئات التعليمية.. أما بالنسبة إلى المناهج فالعمل على تطويرها مستمر من قبل الوزارة (وهنا أحب التأكيد أن الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في التعليم مهم.. ولكن الأهم هو الاستفادة من خبراتهم ومناهجهم بما يتوافق مع احتياجاتنا وديننا ومجتمعنا).. وبيت القصيد هو في طريقة تطبيق هذه المناهج.. إذ يجب أن يتم التعامل مع هذه المناهج بطريقة مختلفة بحيث تكون مزيجاً من التعليم والتعلم والممارسة العملية.. لتحقيق الهدف المرجو منها.. فإذا اتفقنا أن الهدف هو تأهيل الطلبة بالمعرفة والمهارة والأخلاقيات.. حينها يجب أن نتأكد أن طريقة التعامل مع هذه المناهج تتضمن الوصول إلى هذه المكتسبات.. وذلك خلال أعوام التعليم العام والجامعي.. وبحيث يكون التركيز في كل مرحلة تعليمية على أحد المكتسبات بشكل أساسي، وبقية المكتسبات بشكل ثانوي.. وذلك بالطبع بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية وخصائصها، وهذه أفردت فيها الأبحاث والكتب التي تربط كل مرحلة عمرية بإمكانيات عقلية ومهارية وإبداعية.. بالإضافة إلى الاحتياجات المبنية على خصائص كل مرحلة ومميزاتها الجسمية والنفسية والعقلية والانفعالية.. ولهذا فمن الضروري أن يتم التأكد من ترسيخ كل مكتسب والمحافظة عليه مع مرور الأعوام التعليمية. في المرحلة الابتدائية مثلاً يكون التركيز على الأخلاقيات القويمة وأساسيات احترام الغير والتعامل معهم.. بمعنى التركيز على المعاملات والأخلاق بالإضافة إلى العبادات.. لأن ديننا هو عبادات ومعاملات وأخلاق.. بالإضافة إلى تنمية المهارة والإبداع بالاعتماد على الخيال الواسع للطلبة في هذه المرحلة العمرية.. وبالطبع تبدأ أيضاً جرعات المعرفة.. وأساسيات التعلم والبحث عن المعلومة.. ويجب التأكد من إعطاء الفرصة لأبنائنا لتكوين شخصياتهم المتفردة في هذه المرحلة. في المرحلة المتوسطة يتم التركيز أساساً على الإبداع، وذلك باكتشاف المهارات الفردية وأوجه التميز.. لكل طالب وطالبة.. بالإضافة إلى المعرفة.. والبدء في ترسيخ أسس التعلم الذاتي.. وذلك بالطبع بممارسة الأخلاقيات القويمة. في المرحلة الثانوية يتم التركيز على أساسيات المعرفة والتعلم والعلوم الأساسية، بالإضافة إلى تطوير المهارات الشخصية.. ويجب زيادة الأنشطة اللاصفية في هذه المرحلة.. لأنها المرحلة التي من المفترض أن يكتشف أبناؤنا فيها أنفسهم، ويعرفوا فيها ميولهم ونقاط قوتهم وإبداعهم، مما يساعدهم في تحديد تخصصاتهم المستقبلية.. وتنضج فيها شخصياتهم القويمة. في المرحلة الجامعية أو ما يماثلها، يكون التركيز بالطبع على المعرفة التخصصية للمجالات المختلفة التي يختارها الطلبة بناءً على رغبة واقتناع ومزجها بالمهارات الشخصية، وهي فرصة لإظهار الإبداعات التي من المفترض أن تكون متعلقة بالتخصص، وفي رأيي أن هذه المرحلة هي أهم مرحلة عمرية في حياة أبنائنا، ومنها يبدأ مستقبلهم واستقلالهم الشخصي ومنها تبدأ مساهمتهم في بناء الوطن وإثبات الولاء والانتماء له، وبذلك يكون الناتج أجيالاً متسلحة بالعلم والمهارة وبشخصيات قويمة يمكنها رفع راية الوطن. (المقال القادم: المعلم.. أولاً.. وأخيراً..)