دُعيت إلى حضور افتتاح أول دورة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» للمشاركة في فعاليات نشاطه الثقافي عام 1405ه، الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله. كانت فكرة المهرجان لرمز «الجنادرية»، وقائد فرسان الحرس الوطني الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، وكان ولياً للعهد، حيث رأى أن يستثمر الاحتفال ب «سباق الهجن السنوي»، الذي لم يعد مسابقة رياضية فحسب، بل عادة تراثية تتباهى بها أجيال هذا الوطن. سباق الهجن كان يقام في ميدانه بالثمامة في الرياض، ويُدعى إليه عادة قادة الخليج ومحبو التراث، وبناءً على فكرةٍ، تقدم بها رئيس الحرس الوطني، ولي العهد، صدر الأمر الملكي بإنشاء قرية تراثية متكاملة، تجسد الماضي، وتستحضرأصالته بمبانيه وأسواقه وحرفه وطبيعة الحياة التي كان يعيشها أجدادنا. قرية تعبِّر عن أصالة التراث العمراني والحضاري لمناطق المملكة المعروفة بتنوعها الجغرافي والثقافي والعمراني والاجتماعي، ومنذ ذلك اليوم أصبحت تلك المناسبة تُعرف بمهرجان الجنادرية، وبعد مرور أكثر من ثلاثين خريفاً، يرى المؤرخون والمفكرون العرب أن مهرجان «الجنادرية» يعد من الظواهرالثقافية العربية التي تعبِّر عن أصالة الفكر، وعمق الحضارة والتاريخ. وعلى مدى ربع قرن رافقت مسيرته، وحضرت نشاطاته مع حشد كبير من الأدباء والمفكرين في العالمين العربي والإسلامي، الذين أكدوا أن حواراً ثقافياً وحضارياً انطلق خلال دوراته المتعاقبة منذ افتتاحه، جمع كل الآراء، وناقش مختلف قضايا الفكر المعاصر والحوار الوطني، وقد نجح المهرجان منذ انطلاقته، وعلى مدى السنوات التي حظي فيها بإشرافٍ من مؤسِّسه الملك عبدالله، رحمه الله، في تحقيق شهرة واسعة بين الأوساط الثقافية العربية والإسلامية والدولية. كنا نترقب يوم الجمعة الذي يلي يوم افتتاح المهرجان، حيث يحين موعد اللقاء السنوي مع الملك عبدالله، رحمه الله، في بيته، حيث يُدعى ضيوف «الجنادرية» من أدباء ومفكرين وعلماء إلى مائدة الغداء في قصره. يبدأ اللقاء بكلمات وقصائد، وينتهي بكلمة منه، تكون عطراً لذلك اللقاء. أكد في آخر لقاء له بالمفكرين والأدباء أن الكلمة أشبه بالسيف، بل أشد وقعاً، وأوصى بأن تكون كلمتنا كلمة بنَّاءة، نُوحد بها حوارنا، وأن نتَّقي الله في أقوالنا وأعمالنا، وأن يعي الأدباء والكُتَّاب مسؤولية الدفاع عن دينهم وأمتهم، وألا يكونوا عبئاً على أوطانهم، لأن عليهم واجب الدفاع بكلمة الحق بما يخدم قضايانا العربية والإسلامية. من هذا المنطلق، وبحلم جمع الكلمة، وتآلف الأمة وتواصلها مع الآخر، انطلقت الدعوة إلى الحوار بين الأديان والثقافات لحاجة تستدعيها ظروف العصر المأزومة الراهنة. حقيقةً، يجسد المهرجان الوطني للتراث والثقافة أمنية المفكرين والأدباء العرب في ملتقى فكري، يجمعهم ويبلور توجهاتهم في قضايا الأمة الفكرية، وصولاً إلى قناعات مشتركة ورؤى معاصرة تشكِّل وحدة كلمتهم، وقد آمنوا بأن ذلك قد تحقق فعلاً على أرض القداسة ومهد الرسالات، منبع الحق والحكمة، التي فتحت تاريخها وحضارتها عبر التاريخ مستلهمة ماضيها الثقافي وتاريخها العريق الذي تتوحد على أصالته الأمة.