ذكر عالم النّفس ألكسيس كارول قصة وقعت له مع ابنه (تيل) ذي السنوات الثلاث، وسأترك لكم التعليق عليها. «كنت مع ابني (تيل) في أحد المخازن الكبرى ببرلين عندما استولى عليه عناد لا يُقهر، فبعد أنْ كان مستكيناً وفضولياً برهةً، أخذ فجأةً يشُدّ يدي بوحشية ويصيح: لا أريد، لا أريد، فسألته: «هل تريد الخروج مِن المخزن؟»، فأجاب صارخاً: «لا.. لا أريد»، ثمّ رمى بنفسه فوق الأرض منتحباً صارخاً، وباحثاً بيديه ورجليه وقد سدّ الممرّ على الزبائن، فحملتُه إلى ناحية مِن المخزن، وحاولت تهدئته بكلمات ناعمة، لكنّه لم يهدأ. وسرعان ما تجمهر حولنا فئة من النّاس الذين أثار الصريخ فضولهم، وكانوا جماعة مختلطة فيهم الرجال وفيهم النساء، وكانوا مزيجاً مِن الزبائن والموظفين مِن شباب وشيوخ، ثم حدث بعد ذلك ما أسميه «نموذجي». لقد استفهم الجماعة أولاً عمّا إذا كنت والد الطفل، ومِن ثمّ لم يُشفق أحد مِن الجماعة على الولد نفسه، بل أشفقوا كلّهم عليَّ فقط، ولم يبخلوا بالوصايا وبتقديم الاقتراحات. قال أحدهم: «ارفعه واصفعه على قفاه إلى أن يلين»، وقال آخر: «لو كان ابني لعرفت كيف أُخرسه في الحال». كلّها كانت اقتراحات شرسة لن أنسى مِنها قول أحدهم لي: «في هذه السنّ عليك أن تكسر إرادته وإلا بقي دائماً مُصراً على تنفيذها». وعمَّ استحسانٌ وموافقةٌ بين المجتمعين. قلتُ له: «ومن يَجبُر بعدَ ذلك الإرادةَ المكسورةَ؟». وانتفض ابني (تيل) وسط هذا الجمهور المتذمّر ثم أمسك مبتهجاً بيدي وقال «بابا تعالَ معي لنذهب». انتهت. وعلّق المؤلف:»كَسْرُ إرادتِه؟ يكاد الإنسان يسمع قرقعةً عظامٍ عندما يسمع هذا التعبير، وبعد بضع سنوات سيكون الآباء هم الذين يجلسون مكسورين أمام المحلل النّفسي ينشدون مساعدته، ويشكون إليه حالة ولدهم قائلين: «نحن في حيرة ولا نعرف ما يجب علينا عمله، إنّ ولدَنا ضعيفُ الإرادة».