جدة – يزيد الحميد قضيت عامين في التنقل بين القرى لتجهيز المراكز الصحية حتى طلبت الاستقرار.. وكان المواطن يدفع خمسة ريالات للتنويم كنت الطبيب الوحيد غير المتزوج بين ثلاثة أطباء في الحرس الوطني.. رافقت الملك حينها في معظم رحلاته شكا جنود للملك شدة التدريبات العسكرية.. فأتى بمدربين باكستانيين معروفين بحزمهم وقال «شدوا عليهم أكثر» كان لا يرفض أي طلب للعلاج.. ويسألني إذا كان للحالة علاج في المملكة أو يأمر بإخلائها ولو على حسابه الخاص كشف الطبيب الخاص السابق للملك عبدالله بن عبدالعزيز الدكتور غلام أكبر خان نيازي، جوانب إنسانية شفيفة في شخصية خادم الحرمين الشريفين، تلمسها خلال تعامله مع الملك وأسرته طيلة عشر سنوات قضاها في قصره الخاص، حيث تحدث عن هيبة الملك الممزوجة بحنانه وعطفه، وعن حلمه الذي لم يره في أي شخص آخر، بحسب قوله، مؤكدا أن الملك عبدالله بطيء الانفعال والغضب، إلى جانب حزمه الكبير في الانضباط والنظام، «فلا يتنازل عنهما في كل ما يأمر به». الطبيب الخاص لخادم الحرمين الشريفين الباكستاني الأصل، الذي ساهم في تأسيس الخدمات الطبية في الحرس الوطني، وأول مدير لمستشفى الملك خالد للحرس الوطني في جدة، روى في حديثه قصة قدومه للمملكة، وعمله برفقة خادم الحرمين الشريفين، وقصة حصوله على الجنسية السعودية، وذكرياته وتجربته خلال فترة عمله.. تدشين المراكز الصحية * متى بدأت رحلتك إلى المملكة؟ - قدمت للمملكة في عهد الملك سعود – رحمه الله – كطبيب متخصص في الباطنة، ثم أخذت الزمالة في الجلدية من فينا في النمسا عام 1963م، وكنت على ملاك وزارة الصحة أيام بداياتها، حيث كانت تنظم حملة لافتتاح مراكز صحية في القرى، وكلفت حينها لتجهيز هذه المراكز، ثم تسليمها للطاقم الطبي الذي سيتولى تشغيلها، والذهاب إلى قرى أخرى لتجهيز مراكز إضافية، وهكذا. ومن المراكز التي أشرفت على تجهيزها وتدشينها: الأفلاج، ليلى، ساجر، الوشم، الدلم، وغيرها، واستمر ذلك مدة عامين حتى طلبت الاستقرار، حيث تقرر نقلي إلى مستشفى على طريق المطار القديم، كان يسمى مستشفى الملك عبدالعزيز، بينما اسمه حاليا مستشفى الأسنان، وكان هذا المستشفى من أفضل المستشفيات، وكان يشهد إقبالا كبيرا من الناس، بينما كان يتكلف المريض خمسة ريالات مقابل التنويم. أول طبيب للحرس * وكيف انتقلت إلى الحرس الوطني؟ - أثناء عملي في مستشفى الملك عبدالعزيز طلب الحرس الوطني من وزارة الصحة إعارة أطباء لتدشين الخدمات الطبية فيه، وكان وكيل الحرس الوطني آنذاك الشيخ عبدالعزيز التويجري قد اختارني شخصيا مع طبيب باكستاني آخر اسمه محمد إسحاق، وطبيب مصري اسمه محمد سالم، حيث حدد مقر عملنا في شارع الشميسي القديم، وكان ذلك عام 1965م، وعندما تولى الملك فيصل – رحمه الله – مقاليد الحكم تم تعيين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حينها رئيساً للحرس الوطني، وكل التنظيم الذي نراه اليوم للحرس الوطني هو من الإنجازات والتطوير الذي تم في عهد رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحرس الوطني، حيث تم تطوير وضع منسوبيه من مجاهدين إلى جيش منظم يمتلك أفضل التقنيات والتدريب، وحيث إنني كنت الطبيب الوحيد من الأطباء الثلاثة غير المتزوج؛ فقد كنت أسافر مع رئيس الحرس الوطني في جميع تنقلاته على الحدود. بعد ذلك طلب وكيل الحرس الوطني في المنطقة الغربية آنذاك الشيخ محمد العيبان انتقال أحد الأطباء إلى المنطقة الغربية حيث كانت حينها أحداث اليمن، وكان الحرس الوطني بحاجة إلى طبيب يرافقه إلى الحدود، فوافق الأمير عبدالله على ذلك، لأكون أول طبيب للحرس الوطني في المنطقة الغربية، وكنت أؤدي نفس الدور الذي كنت أؤديه في وزارة الصحة في تجهيز المستوصفات، حيث بدأت رحلة العيادات من عيادة متنقلة على سيارة جيب «لاند روفر» نتنقل عليها بين الأفواج في أم السلم والشرائع، ثم نعود إلى مقر الحرس الوطني، إلى أن تسلم الحرس الوطني مبنى جديدا في النزلة بالقرب من مبنى التلفزيون، فجهزنا فيه أول مستوصف دائم للحرس الوطني عام 1967م. رحلة التطوير * وكيف بدأت رحلة تطوير الخدمات الطبية في الحرس الوطني؟ - عندما كنا نعمل على تجهيز المستوصفات، كنا نستقدم أعدادا من الأطباء والممرضين والممرضات بعد زيادة الميزانية في ذلك الوقت، لنفتتح بعد ذلك أول مستوصف خارج جدة، حيث كان في منطقة جازان، ثم افتتحنا مستوصفاً آخر في الطائف، ثم الشرائع، ومن ثم المدينة، فينبع، وبعد افتتاح كل تلك المستوصفات، جاءت فكرة إنشاء مستشفى خاص بالحرس الوطني، حيث كانت هناك أرض للحرس الوطني في أم السلم، أنشئت عليها مستشفى الملك خالد بالتعاون مع شركات بريطانية متخصصة، وكان افتتاحها عام 1983م في عهد الملك خالد – رحمه الله – حيث كان من المقرر أن يفتتحها جلالة الملك خالد، لكنه توفي في الطائف قبل أيام من موعد الافتتاح، وكنت في ذلك الحين أعمل مديرا لمكتب الإشراف في الحرس الوطني ومديرا للخدمات الطبية في القطاع الغربي، وبعد افتتاح المستشفى وعودة الأطباء السعوديين من الخارج، سلمت إدارة المستشفى لطبيب سعودي يدعى خالد عبدالمطلوب. قصة الجنسية السعودية * ومتى بدأ عملك كطبيب لدى الملك عبدالله؟ - بعد افتتاح مستشفى الملك خالد للحرس الوطني وتسليمي إدارة المستشفى لأطباء سعوديين، تم نقلي إلى الرياض في قصر ولي العهد حينذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وبقيت في قصره لمدة خمس سنوات قبل أن أتقاعد عن العمل، حيث طلبت الإذن للعودة إلى بلدي باكستان، ولكن صدر أمر ملكي بمنحي الجنسية السعودية تقديراً من الدولة لي، بعد ذلك عدت إلى جدة لإدارة مستشفى الملك خالد للحرس الوطني، حيث كنت أمتلك الخبرة في إدارة المستشفى، حيث طلب الأمير خالد بن عبدالله أن أنتقل إلى المنطقة الغربية كمدير تنفيذي لمستشفى الملك خالد واستمريت في عملي عشرة أعوام، قبل أن أتقاعد في المنطقة الغربية، كنت أتنقل خلالها مع الملك عبدالله وأسرته كطبيب خاص، إذ كان يثق في كفاءتي وخبرتي. مهابة ممزوجة بالحنان * بحكم عملك مع الملك عبدالله، كيف تقيم هذه التجربة؟ - الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – أوتي مهابة في قلب من يقابله للوهلة الأولى، لكنه سرعان ما يلمس حنانه الكبير عند التعامل معه، ومن خلال عملي معه لمست أنه كان يهتم كثيرا لأمرين؛ أولهما إذا تقدم مواطن بحاجته للعلاج خارج المملكة، فإنه كان يتفاعل ويتجاوب معه بسرعة، خصوصا حين لم تكن مستشفيات المملكة متطورة كما هي اليوم، وكنت أرى دموعه لدى استماعه لكثير من الحالات التي تحتاج إلى علاج عاجل، إذ كان يأمر بعلاجها فوراً وعلى نفقته الخاصة أو نفقة الدولة، سواء كان المواطن من منسوبي الحرس الوطني أم من عامة المواطنين، وكان – حفظه الله – لا يرفض أي طلب للعلاج، حيث كان يطلعني على التقارير الطبية المرفوعة إليه ويسألني: هل لهذه الحالة علاج في المملكة يا دكتور؟ فإن كان لا يوجد لها علاج، يأمر بتحويله إلى أي بلد يتوفر فيه العلاج المناسب. الأمر الآخر، وجدت الملك عبدالله يهتم بالتعليم اهتماما بالغا، فقد كان كثيرا ما يوجه الشباب ويقول لهم (نحن لم يكن لدينا فرصة للتعليم، والآن أنتم لديكم فرصة جيدة، اهتموا بتعليمكم ودراستكم)، وخير دليل على ذلك مشروع الملك عبدالله للابتعاث، الذي يعد هدفا استراتيجيا لتنمية المواطن السعودي ورفعته، وتنمية الوطن بشكل عام. وكان يغشى مجلسه – حفظه الله – كبار السن والنساء كل ثلاثاء، وفي رمضان كان يلتقي طوال الشهر بالناس الذين يأتون للإفطار معه، وكان يقرب إليه كبار السن ويتجاذب معهم أطراف الحديث. حزم ونظام وجدت في هذا الملك المهاب حنانا وعطفاً وحلماً لم أرها في أي شخص آخر، وكان إذا أخطأ أحد من العاملين لديه بطيء الانفعال والغضب، وحين أخطئ كان يبدي غضبه مني بكلمة واحدة (روح.. روح). وبالرغم من حنانه وعطفه على الجميع؛ إلا أنه كان حازماً ونظامياً بشكل كبير، وكان لا يتنازل عن النظام والضبط في كل ما يأمر به، ولا أدل على ذلك من تطويره للحرس الوطني، كما كان حازما جدا في موضوع التدريب، وقد اختار الطريقة البريطانية في التدريب، وأذكر أن أحد منسوبي الحرس اشتكى له مرة بعض الضباط الذين يتشددون في التدريبات التي توضع للجنود، فقال لهم (لا.. بل يجب أن تزيد هذه التدريبات) وأتى بمدربين باكستانيين معروفين بحزمهم، واجتمع بهم وقال (شدوا أكثر). كما أن من أبرز ما يهم الملك عبدالله – حفظه الله – شؤون الأمة الإسلامية بشكل عام، ومن أبرز تلك القضايا ما يجري في فلسطين والعراق، وغيرها من القضايا الإسلامية الأخرى. مرافقة الملك * هل سافرت مع الملك عبدالله في رحلاته الخارجية؟ - نعم، وأذكر في رحلة إلى لوس أنجلوس أنه اجتمع بالطلاب السعوديين المبتعثين هناك، وقال لهم (يا أبنائي، أنتم السفراء الحقيقيون لوطنكم، فالسفير الدبلوماسي شخص رسمي في مكتبه، ولكن أنتم من يمثلنا حقيقة هنا، فعليكم بالتمثيل المشرف لوطنكم، وعليكم الالتزام بدينكم وتعاليمه الحنيفة) كما كان يوجه لهم النصيحة بالاهتمام بتعليمهم والتركيز والاستزادة من العلم لكي يعودوا فينفعوا وطنهم. احترام وعزة نفس * ما أبرز المواقف التي تتذكرها مع الملك عبدالله؟ - يتميز الملك عبدالله باحترامه لمن يعمل معه، فلم أسمع منه كلمة جارحة طوال فترة عملي في قصره الخاص، التي استمرت لمدة عشر سنوات، ولم أجد إلا الاحترام وعزة النفس من هذا الإنسان. وأذكر أننا اتجهنا عام 1385ه للحدود مع اليمن، وكان الملك حينها رئيسا للحرس الوطني، وكانت الإمكانيات والميزانية محدودة ومتواضعة، وتم بناء غرفة من البلك ليقيم فيها رئيس الحرس الوطني، وكان سقفها من الألمومنيوم، وكنا ثلاثة أشخاص برفقته، وكيل الحرس الوطني، ورئيس الشؤون الدينية الشيخ ناصر الشثري، والدكتور غلام، في خيمة واحدة، وهطلت الأمطار على جازان، ومن شدة هطولها اقتلعت سقف الغرفة، فاضطر الملك عبدالله إلى الاحتماء في سيارة فورد بوكس حتى انتهى المطر، ليتم إعادة سقف الغرفة. الأطفال سلوى الملك * ما الذي يحبه الملك عبدالله؟ - الملك عبدالله يحب الأطفال بشكل كبير جداً، وكان يحب الجلوس معهم والتحدث إليهم وملاطفتهم، وشاهدت كثيرا من هذه المواقف بعيني عدة مرات. الدكتور غلام أكبر خان