قبل يومين أضيفت أزمة جديدة للرئيسة الكورية الجنوبية «باك جون هاي» تسبب فيها فنان انطباعي رسم لوحة للرئيسة وهي عارية ومستلقية إلى جانب صديقتها «تشوي سون سيل»، مما تسبب في غضب مؤيدي الرئيسة الكورية الذين طرحوا اللوحة أرضاً وفرض تدخل الشرطة. تأتي هذه الأزمة بعد أن هدأت الفضيحة الأولى التي اتهمت فيها الرئيسة بقضية فساد تمثلت في تدخل صديقتها المقربة تشوي في شؤون الدولة و»تسريب مستندات الرئاسة وتعيين كبار الموظفين الحكوميين وإجبار عدد من الشركات الكبرى على التبرع لصالح مؤسستي (مير) و(كي) الرياضيتين واستغلال أموالهما لأغراض شخصية وغيرها»، وفق ما تناقلته وكالات الأنباء. وأدت هذه القضية في نهاية المطاف إلى تجريد الرئيسة باك من صلاحياتها بعد أن أجبرت في 9 ديسمبر الماضي على تسليم صلاحياتها مؤقتاً إلى رئيس الوزراء هوانج غيو آن بعد عزلها من قبل البرلمان، الذي يتهم الرئيسة ب»انتهاك الدستور وارتكاب جنح، والفشل في حماية الشعب، والفساد، واستغلال السلطة»، وهي تنتظر قراراً من المحكمة الدستورية، إما بالمضي في مساءلتها وعزلها أو إعادة الصلاحيات الرئاسية لها. الرسام لي كو يونغ الذي رسم الرئيسة عارية استقى لوحته من لوحة «أولمبيا» للفنان الشهير «مانيه» التي تعود لعام 1863، وقال في مقابلة إذاعية «إن المعرض من تنظيم 20 فناناً وردت أسماؤهم على قائمة سوداء للفنانين بسبب معارضتهم الحكومة». يبدو أن الرئيسة الكورية وقعت في مأزق علاقة الصداقة الشخصية العميقة مع تشي، وأحرقت تاريخاً من السمعة الطيبة التي تمتعت بها ونقلت شعبية حزبها «الحزب الوطني» المحافظ من الحضيض إلى حصوله على الأغلبية في البرلمان، وقد تقلدت رئاسة الحزب الذي تغير اسمه إلى حزب ساينري في فبراير 2012 وذلك في الفترة من 2004 إلى 2006 ومن 2011 إلى 2012 قبل أن تصبح رئيسة البلاد. وهي لم تتبوأ منصب الرئاسة من عدم، بل كان والدها «باك تشونغ هي» رئيساً لكوريا الجنوبية في الفترة ما بين 1963 حتى 1979 حيث قضى في عملية اغتيال على يد رئيس استخباراته، بينما اغتيلت والدتها في العام 1974 على يد أحد الكوريين المولودين في اليابان والمتعاطف مع كوريا الشمالية. في فترة حكم والدها عانت البلاد من ظاهرة الاعتقال التعسفي وانتهاكات حقوق الإنسان لخصومه السياسيين، تحت تبرير التنمية الاقتصادية، الأمر الذي أجبر الرئيسة المسحوبة صلاحياتها على التعبير عن أسفها إزاء سوء المعاملة التي تعرضت لها المعارضة السياسية في حقبة حكم والدها. كانت مرحلة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عصيبة على دول شرق وجنوب شرق آسيا، كونها دولاً كانت تعاني الفقر والفاقة. وبالنسبة لكوريا فإن الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 1950، بعد الاستقلال عن اليابان بخمس سنوات، كانت حرباً مدمرة للنسيج الوطني الكوري خصوصاً بعد تقسيم البلاد إلى دولة شمالية شمولية ديكتاتورية حكمها كيم آيل سونغ ومن ثم ورثها إلى أبنائه الذين لا يزالون يمسكون بمفاصلها بقبضة حديدية تنتج الأسلحة الفتاكة ولكنَّ مواطنيها يعانون الفقر والمرض والعزلة، ودولة جنوبية توالت عليها ديكتاتوريات، لكنها أرادت الخروج من عنق زجاجة الفقر إلى رحاب الاقتصاد الحر الذي دفع الكوريون الجنوبيون ثمنه أيضاً تعسفاً سياسيّاً. والظاهر أن تلك المنطقة بعد أن أسدل الستار على الحرب العالمية الثانية بدأت في النهوض الاقتصادي على حساب التنمية السياسية. فكما حصل ذلك في كوريا الجنوبية، فقد تكررت التجربة في ماليزيا وإندونيسيا وتايوان وهونغ كونغ وتايلاند، أي ما يسمى اليوم بالنمور الآسيوية التي تعتمد اقتصاداتها على تصدير السلع، تيمناً بالحالة اليابانية التي نهضت بعد توقيع صك الاستسلام إثر إسقاط القنبلتين الذريتين نهاية الحرب الكونية الثانية. ورغم الصعود الاقتصادي للتنين الصيني، إلا أن كوريا الجنوبية ظلت محافظة على مكانتها الاقتصادية المتقدمة وتعدّ الاقتصاد الثالث عشر بين اقتصادات دول العالم والرابع في آسيا، ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 1.3 تريليون دولار، متضاعفاً 31 مرة منذ العام 1953، عام انتهاء الحرب الكورية، كما تبلغ صادراتها قرابة 500 مليار دولار سنويّاً، ويتمتع الحساب الجاري بفائض منذ العام 1998 حيث بلغ العام 2014 قرابة 77 مليار دولار، فيما تضاعف الدخل الفردي من 67 دولاراً سنويّاً للفرد في العام 1953 إلى أكثر من 28 ألف دولار سنويّاً في العام 2014. لذلك ليس من الغرابة أن تحقق شركة واحدة هي سامسونغ في الربع الأخير من العام الماضي 2016 أكثر من 6 مليارات دولار أمريكي، وفي العام 2013 بلغت أرباح الشركة 31 مليار دولار، وهو يعادل الناتج المحلي لدولة خليجية مثل البحرين، وأكبر بكثير من الناتج المحلي لدول أخرى في العالم الثالث. وبالعودة للرئيسة الكورية باك المتهمة بالفساد والمسحوبة صلاحياتها، فإنها على ما يبدو تناست سبب فوزها بالرئاسة في 2012، عندما استثمرت شبهة الفساد لدى الرئيس السابق «لي ميونغ باك»، ولهذا الرئيس قصة أخرى من «الطريق الوعر» وصولاً للرئاسة ويمكن تناولها في مقبل الأيام. بيد أن الرئيسة اليوم وبسبب صديقتها الحميمة قد تنتهي حياتها السياسية بقرار من المحكمة الدستورية الكورية التي تواجه حالات فساد لم يسلم منها حتى رئيس شركة سامسونغ نفسه بسبب تلك الصديقة المنحوسة.