حينما يتطلع الناس لامتلاك الذهب الأصفر، سواء على شكل مصوغات وحلي، أو على هيئة سبائك وقطع.. أو عندما يسمون معدن البلاتين الذي يعتبر من أندر المعادن وأثمنها، ويصفونه بالذهب الأبيض، بل هو أكثر ثمناً من الذهب الأصفر بما يعادل الضعف تقريباً. ولا بدّ أن يرد اسم الذهب الأسود، عندما تذكر البلدان التي تمتلك ثروة النفط أو البترول، بكل مشتقاته.. كل ذلك لما يمثل اسم الذهب من جاذبية للبشر، وبما يحمل من تأثير سحريّ لبني الإنسان، حتى صارت تداعيات هذا الاسم -أي الذهب- تتوسع في كل زاوية من حياة بني آدم، ومع كل رفّة جفن لذي عاقلة، وجرى ذكره في مضرب الأمثال، وترصّعت بأوصافه استهلالات قصائد الشعراء.. وفوق ذلك نجد أن «الوقت» يعتبر هو الذهب الشفّاف.. الوقت هو سيد الذهب الأصفر والأبيض والأسود، ومصنع العلوم والفنون، ومنصّة التألق والصعود، متى ما تمّ استثماره، وأُطلقت طاقاته.. حينها تتدلى ثماره اليانعة، ويأرجُ نفحُه، ويستطيل مداه، بل إن قيمة الوقت أنه أثمن من الذهب؛ لأن كل الثروات المادية والمعنوية لم تكن لتأتِ إلا بالوقت كقيمة حقيقية، نغفل عن أهميتها كثيراً، بينما هو اللاعب الأساسي في كل نجاح، فهو العمود الفقري الذي يستقيم جسد الثقافة به، وتشرق شمس التربية عبر بوابته، وتتباهى اللغة على شفاهه، ويستمد الورد عطره بلحظاته، ويشفّ الندى وقع ألحانه. وفي معنى الشاعر الكبير أحمد شوقي بقوله: دقّاتُ قلبِ المرءِ قائلة له: إن الحياةَ دقائقٌ وثوانِ تعبير يحمل فيضاً دالاً على أن الحياة الحقيقية إنما هي الوقت باعتباره قيمة عليا في ترنيمة النجاح التي تعيد إنتاجها سيمفونية التميز في كل نابضة لقلب يضيف للحياة قيمة، لا يمكن أن تعود لرصيد يوم سابق، كما لا يمكن أن تستفيد من رصيد يوم لاحق.. كل ما لديك هو رصيدك اليوميّ فقط، الساعة لا تتوقف أبداً، فابذل ما تستطيع في استثمار ما لديك، استثمر كل دقيقة لديك، واستثمرها أكثر حينما تجد شخصاً يستحق كثيراً أن يشاركك هذه الدقيقة، وتذكر أن الزمن لا يتوقف لأحد أبداً. ومن تراثنا الأصيل، ورد «إنّما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله، ولعلك راحلٌ فيه. أما اليوم الماضي فحكيمٌ مؤدّب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودّع، وأما غد فإنّما في يديك منه الأمل». باغتنام الفرص، وباستثمار الأوقات، وبالمبادرة والمسارعة في الخيرات، تتحقق النتائج المذهلة، ويتم إنجاز ما فيه القدرة على صناعة الإدهاش، وهذا فيه الطريق لاكتساب المكانة العالية، والوصول إلى مرتبة الريادة، ومواطن الفرادة والتميز، وغالباً ما تكون نتيجة السعي الدؤوب نجاحاً ساطعاً، وفلاحاً بارعاً، وبلوغاً إلى الأهداف التي تم التخطيط لبلوغها، واجتيازاً لكل السبل مهما كانت صعبة المراد، إلا أنه ما من عمل أُلِحَّ في طلبه، إلا كان يوشك أن يُنَال، وهكذا فإن العمر، وهو قيمة معنوية، أعلى وأغلى وأثمن من أي قيم مادية في الحياة، والعمر وقت ومنطقة زمنية تحتاج لأهم مشاريع الاستثمار، من خلال السعي للوصل للنجاح المنشود؛ لأنّ الوقت لا يعني الزمن.. ولأنه لا يقدّر بثمن، ولأنه يعني الحياة.. علينا أن لا نبدده وأن نحسن استخدامه واستثماره.