نحن في شرق العالم؛ لأننا في شرق أوروبا وأمريكا، نعيش.. نحيا ونتطرف؛ لأننا في الشرق الأوسط؛ حيث البركان الملتهب دائما الذي لم يكن وسطياً كاسمه في مشكلاته وحياته وسلوكه، بل يتطرف بكل الوحشية والدمار كما الجمال أيضا، بكل العاطفة وبكل الغضب، بكل القوة والليونة إن هو أراد. في المملكة، ارتبطت المنطقة الشرقية بالهدوء والسكينة وبالمتنوعين المغتربين لأجل لقمة العيش في أرامكو، بأهل الخليج وبحره وأسماكه، برطوبة الجو والقلب والروح وليونة التعامل والنفس الطيبة، وبالأهم في حساباتنا دائما.. النفط. لكن «الشرق» أكثر من مجرد مفردة لتحديد الاتجاه، بل هي سلوك وتعامل وربما أسلوب حياة، قصائد الشعراء العرب اعترفت مرارا وتكرارا بعنجهية وحمق السلوك الشرقي في مجتمعاتها، تمجيدا للرجل، وإجحافا في حق المرأة، تقديساً للموروث والعادات، طباع حادة، عناد مستمر، يعقبه تدفق وعاطفة قوية، روح الفكاهة العالي، اللغة الجميلة والفصاحة في الخطاب، كتبوا رافضين أم معترفين، بكل الأحوال هو اعتراف مبطن بحقيقة هذه الصفات وتأصيلا لها. أستشهد هنا بجزء من قصيدة نزار قباني التي أبدع حين كتبها على لسان امرأة ووصفها بالحمقاء: يا سيدي أخاف أن أقول ما لدي من أشياء أخاف لو فعلت أن تحترق السماء فشرقكم يا سيدي العزيز يصادر الرسائل الزرقاء يصادر الأحلام من خزائن النساء يستعمل السكين والساطور كي يخاطب النساء ويذبح الربيع والأشواق والضفائر السوداء وشرقكم يا سيدي العزيز يصنع تاج الشرف الرفيع من جماجم النساء بعيدا عن كل هذا، وبشكل شخصي بحت، كانت الشرقية وفية دائما لي، أنا ابنتها التي ولدت ونشأت وكبرت في مدنها، حتى غادرتها للعاصفة المغرية أكثر والجافة أكثر أيضا، وفي الشرقية ومع ابنتها الصغرى «جريدة الشرق» التي تبدأ باحتواء مقالي كل أربعاء من كل أسبوع، بعد أن توقفت عن كتابة المقال دام لسنوات، وتوزعت فيها مقالاتي هنا وهناك، وكأن قلمي أراد التنزه في رحاب صحفنا السعودية، ربما هي محاولة للدلال، وربما هي الحياة أخذتني واختطفتني ومسؤولية الأمومة التي تستحق، لكنني الآن أعود وأستقر، عبر مساحة صغيرة وعدد من الكلمات، كقطعة حلوى لذيذة متنوعة في مواضيع تشغل البال وتؤرق العقل؛ لأن الكاتب مهموم بالفكرة التي يجب أن تخرج وتُكتب وتصل؛ لأن الكتابة هي الصوت العالي جدا، ليس بالحدة بل بالفكرة والكلمة والحجة، شكرا ل «الشرق» ممثلة بالأستاذ خالد بوعلي وعبدالوهاب العريض، وعلى الفرصة التي أعادت صوتي الأسبوعي المسموع، رغم كل وسائل النشر التي تعددت وتنوعت، رغم كل فوضى التغريدات وفيديوهات سناب وصور الانستجرام، رغم كل الهشتاجات والأخبار والأحاديث الممتدة على طول دقائق الساعات والأزمنة، رغم كل ذلك يبقى المقال الصحفي فناً وطعماً ووقعاً أقوى وأجمل.