إن التعلم في الخارج يبدأ من الاختلاط والمشاهدة وتحليل الأفعال والعادات لمحاكاتها ومن ثم ضخها حين الإياب في المجتمع وتطبيع الذات بها. ففي حقبة من حقب الزمن وضعت الأمة الإسلامية بصمتها عن طريق الانفتاح نحو العلوم والحضارات العريقة.. التي لولا رحلات علمائها لما اكتسبتها، كما أن العامل الأوروبي تسيد وازدهر عندما سمح لنفسه بكسب علوم المسلمين. والآن وبعد بدء مراحل تسجيل المبتعثين من المثير أن نلمس من طلابنا الانبهار والإعجاب بما شاهدوه من أنظمة وعادات أجنبية نظراً لصغر سنهم وحداثة تجربتهم ناهيك أنهم افتقدوها في مجتمعهم أو هذا مما حدا ببعضهم أن يخشى عليهم من التأثر فنجده لا يحبذ ابتعاث خريجي الثانوية العامة لدراسة البكالوريس خوفاً عليهم من التحول! وهناك رأي آخر ينظر لابتعاث تلك الفئة بنظرة إيجابية فكل طالب ابتعث وهو يختزل في عقله ثوابته ماعليه إلا أن ينفض روتينه الممل ويخوض الحياة الحقيقية التي تعتمد على مشاركته الفاعلة التي لم تقم على الرفاهية، بل نبعت من المسؤولية والمحاسبة ليدقق في اختياراته ويقرر ويقدم بحذر، مع العلم أن ذلك لن يتم إلا بأعلى مستويات التفكير والوعي فما كان الهدف من ابتعاثهم إلا من أجل الاندماج في ثقافة البلد المبتعث له واكتساب القوة من خلال التعلم بالمحاولة والخطأ والملاحظة. وقد سعدت بحديث أحدهم وهو يحكي بوعي تام عن ذاته قبل وبعد الابتعاث متطرقاً للتغيير الذي لمسه قائلاً: عندما ابتعثت شعرت بخوف ورهبة من الاختلاط بمجتمع غير مجتمعي، والذي زاد الأمر حرجاً صغر سني وخبرتي المحدودة في بلدي في التعامل مع المشكلات الطارئة والاختلافات والمرأة! صدقاً لم أعرف ما أريد؟! إن الدراسة في الخارج علمتني إيجاد الحلول التي كنت أظنها مستحيلة، نعم أخطأت كثيراً ولكن أيضاً تعلمت كثيراً قلت له لا تعتد كثيراً بنفسك فكم من هفوة أودت بالمبتعث لعدم مبالاته بخطورتها. وقد زاد إعجابي به عندما قال: شخصيتي الجديدة مفعمة بالتعلم والإيجابية والمرونة وليس بالمخاطرة والجهل والاندفاع.