على وزن أيامك سعادة، والسعادة هي شيء غريب يتلهف الناس للحصول عليه رغم تباين معناها من شخص لآخر، وكأنهم يحبون فاكهة ما، لكنها تختلف في الطعم من شخص لآخر، وما دمت تتلذذ بطعم السعادة بالطريقة التي ارتضيتها، فأظنك لن تسمح لأحد أن يقلب رأيك في مفهوم السعادة طالما وجدت في هذا المفهوم متعتك. لذا لن أنصّب رأيي هنا وصياً على فكرة السعادة ومقتضاها، لكني سأذهب إلى ما هو أبعد من ذلك لأشير بأن السعادة إذا كانت تقتضي الفرح والمرح والبهجة والأنس؛ فإن تلك المشاعر هي مشاعر ناشطة، يتضمن نشاطها نشاطاً في بعض أعضاء الجسم حيث نبض القلب ونشاط العضلات المسؤولة عن معالم السعادة، وحيث أن السعادة بهذا المعنى هي نشاط نفسي جسمي، وكذا الضيق هو أيضاً نشاط نفسي جسمي، فإن المعادلة تحولت من طرفها الفارط حيث الحزن إلى طرفها المفرط حيث السعادة. وتأتي نقطة الصفر بين نقطة الفارط والمفرط عند حالة سكون وتهدئة، التي عندها تختفي مشاعر البهجة ومشاعر الضيق على حد سواء، كما أنها لا تتضمن أفكار إيجاب، ولا أفكار سلب. نقطة السكون هي حالة انتفاء وغياب تكون كل ما هو مثير، فلا وجود لأي أفكار مهما كان محتواها، ولا وجود لأي مشاعر مهما كان طعمها، ولا وجود لأي حركات مهما كان نوعها. إذا أردت أن تتفرج على نقطة السكون، فتأمّل حالة السكون التي يمر بها أي حيوان عند غياب استثارته الخارجية، أو تأمل هيئة سكون الطفل ونومه في مهده، أو حالة النائم الذي يمر بمرحلة موجات دلتا (حيث غياب الأحلام وغياب الوعي التام وغياب الشعور بمضي الزمن). عندما نجري خلف الإثارة المفرحة (السعادة)؛ فإننا نهرب من الإثارة المحزنة، وعندما نلهف خلف إثارة اللذة المشاعرية (السعادة)؛ فإننا نهرب من إثارة الألم المشاعري، وحينما نهرب من طرف إلى طرف؛ فإننا لا ندرك أننا تجاوزنا نقطة الارتكاز، تلك النقطة التي لك أن تسميها بمحطة السكون الصفرية التي تذوب وتسكن فيه كل المشاعر. أعجبني عنوان لكتاب مترجم أسماه مترجمه رامي عبدالله ب «حديث السكون»، ولك أن تبحر في فضاءات حديث ساكت، وكلام ساكن، وهمس بدون همس. الآن، هل تفضّل أن يكون صباحُك سعادة! أم أن يكون صباحُك سكوناً، ويومُك سكوناً، وحياتُك سكوناً؟.