بندر آل جلالة ترتكز نهضة أي مجتمع على كفاءة أفراده فكريا ونفسيا، فلا يمكن أن توجد نهضة يعاني أفرادها من عوائق فكرية أو عدم استقرار نفسي. وهذا العصر أفرز نمطا من الاعتلالات المشاعرية التي قللت الإنتاجية وفاقمت المشكلات، ويعد التوتر أهم وأقسى وأسوأ نتائجها. في عصور سابقة لم يكن التوتر منتشرا كما هو الحال اليوم، والذي أصبح يسمى (طاعون العصر)! فهو المتسبب الرئيسي للعديد من المشكلات الصحية الجسدية والنفسية، والتي بدورها أشعلت مشكلات أخرى اجتماعية واقتصادية ساهمت بشكل ملحوظ في تعاسة الكثير من البشر وتقليل أو انعدام إنتاجيتهم. التوتر هو سلوك ينتج من مشاعر تشعلها أفكار، وهذه الأفكار نتيجة تفكير معوج وخاطئ، حيث يعد المصنع الذي لا يتوقف عن عدة عمليات ذهنية تنتهي بالتوتر. فطريقة تفكير الإنسان وأسلوب حياته هي أول وأهم مرحلة يمكن التعامل معها للتخفيف من حدة التوتر وشدته، والذي يكون نتيجة لأنماط مختلفة من التفكير السلبي، فالفراغ الروحي والاجتماعي والمقارنة السلبية، والعيش السلبي الدائم في الماضي أو المستقبل، وعدم الاستمتاع بالموجود والنظر إلى المفقود بسلبية، والمبالغة في رفع شروط ومعايير الاستمتاع والسعادة، وعدم التوازن بين أدوار الشخص في الحياة، وغياب التخطيط وانعدام الأهداف السامية، والتسويف وعدم التركيز على المهام، وعدم تنظيم الوقت والأكل والنوم، وعدم ممارسة الرياضة والهوايات وضعف الثقة، وعدم فهم طبيعة الحياة والتعامل بسلبية مع تحدياتها ومشكلاتها، وعدم الاختلاء بالذات للتأمل ومراجعة النفس. كل ذلك وغيره يعتبر مصدرا ومغذيا للتوتر السلبي، والذي من شأنه أن يؤدي إلى إفراز كميات هائلة من الأدرينالين والكورتيزول، والتي تدمر صحة الإنسان على المدى القصير والبعيد أيضا! لا شك أن شيئا بسيطا من القلق وإفراز كمية معقولة من تلك المواد الكيميائية يُعد محفزا على العمل والإنجاز، ولكن ما يمارسه الكثير عكس ذلك تماما، كما أن شيئا من التوتر السلبي قد ينتج في الأوقات الصعبة، حيث قد لا يستطيع الشخص التحكم فيه، وهذا ما يحدث وقت الأزمات الخانقة التي قد يمر بها، ولكن الحقيقة أن تلك الأزمات مؤقتة، وليست عذرا عن إمكانية العيش بلا توتر معظم الوقت. ولهذا فالتوتر مثبط لإنتاج الشخص وإبداعه، وكلما كان عدد من يعاني من ذلك كثيرا، تضاءلت قدرة المجتمع على النهوض وصنع الحضارة. فاكتساب مهارة الهدوء والاستمتاع بالحياة وتحسين جودة الحياة - في ظل وفرة مصادر المعلومات - هي الشيء الممكن والمهم الذي يستطيع كل شخص اكتسابها وجعلها عادة دائمة وجزءا طبيعيا في الشخصية. كما أن على الجهات الحكومية والخاصة دورا مهما في نشر الوعي لموظفيها بأهمية الاهتمام بالصحة النفسية والتغلب على أسباب التوتر، من أجل انتشار السعادة ومضاعفة الإنجاز.