الكلاسيكية محافظة على جمال الماضي والأثري من الأشياء واستدعاؤها في الحاضر بذات الأصالة والعراقة التي لا تبلى، وهكذا بالإمكان أن نتعامل مع أفكارنا وقناعاتنا الرصينة وننتقل بها عبر الأماكن والأزمان. نحن بسطاء في الأماني والخيال والشعور بالسعادة والفرحة وليس كما يروج له أعداء استقرارنا وأمننا النفسي والمعنوي، فرغم أنف التحضر والتكنولوجيا تستميلنا العودة أدراج التقدمية بالسكن في الخيام وركوب الخيل والجمال وأكل شعبي الأطعمة، والالتفاف على موقد النار، وغدا أطعم وألذ المشروبات الشاي المصنوع على الحطب، وصار هذا رزقاً واسعاً لشباب صغير اكتشف ميل الناس له وأنهم يهرعون زرافات ووحدانا من أجله، وأحلامنا وأبهى الابتسامات ترتسم على الوجوه مع زخات المطر مهما كانت شحيحة، ونطلب بقلوب مؤمنة لها الزيادة والنماء، وبراءة الطفولة تتمثل على محيا الجميع شيباً وشباناً وحتى الطفل بها يفرح. والبيوت واسعة وأثاثها باهظ الثمن، إلا أن في العتيق والتصاميم القديمة الفخامة والوجاهة والراحة والمباهاة! تُركب السيارات الفارهة ويتنافسون في اقتناء جديدها، إلا أن المتعة وكسر الروتين والنزهة المتفردة بامتطاء صهوة فرس أصيل أو بعير، والبراعة في القدرة على قيادته كفرسان الأمس الأشاوس، أو التزاحم في عربة يجرها خَيل في رحلة قصيرة في جو ساحر. ما بين الأمس واليوم لو ندقق سنلاحظ أن الفرحة الحقيقية بالتوازن، وما كان يجب أن تُهجر المساكن القديمة ويخلف فيها حتى الأرواح الطيبة وصفاء السريرة، وما كان يجب علينا أن نستورد الذوق بجل تفاصيله، حتى طابع نفوسنا تركنا لهم تأثيثها وفق مزاجهم وخياراتهم. والآن بدل مضيعة الوقت في اجترار أسباب الفرقة وقطيعة الرحم وتباعد سكان البيت الواحد، وقطع الجار بل ومحاربته أحياناً، وضياع الاحترام للكبير والعطف على الصغير، وتوقير المعلم والمربي، وبدل البكاء على اللبن المسكوب دعونا نشنُّها حملة للحفاظ على الاعتدال بالجمع بين الحداثة والتراث بدعوة صادقة مع كل الحب إلى (كلاسيكية فكرية) نحافظ فيها على أناس الأمس ولو لبسوا ثياب الحداثة.