عبّر كثيرٌ من الأدباء والشعراء عن عمق انتمائهم للغة الضّاد، وأظهر بعضهم تخوّفاً على مستقبلها لِما رأوه من ازدراء بعض أبنائها لها وتحوّلهم إلى لغة أجنبية، فها هو شاعر الّنيل يعاتبهم على لسان العربية فيقول: أَيَهْجُرُني قَوْمي عَفَا اللهُ عَنْهُمُ إِلَى لُغَةٍ لم تَتَّصِلْ برُوَاةِ سَرَتْ لُوثَةُ الإفْرَنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى لُعَابُ الأَفَاعِي في مَسِيلِ فُرَاتِ فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ إنّه عتاب لأولئك الذين أبهرتهم اللغة الأجنبية فصاروا يُقحمونها أو بعض مفرداتها في حديثهم لكي يقال عنهم «مثقفون». صحيح أنّ تعلّم اللّغة الإنجليزية مطلب ثقافي، لكنْ انتشار المدارس الأجنبية، وتزايد نسبة الطّلاب العرب الملتحقين بها، والقناعة المترسّخة عند كثير من الآباء بأنّ اللغة الإنجليزية هي الضمان لمستقبل أبنائهم ظاهرة تقضُّ مضجع كلّ عربي غيور. فمن المسؤول عن تفشي هذا الداء العُضال؟ أرى أنّ التعليم هو المسؤول الأول حين قصّر في تطوير أدواته لخدمة اللغة، ثمّ الآباء عندما تجاهلوا أنّ القراءة لأطفالهم بلغتهم، والاستماع إليهم ونقل تجارب الآخرين إليهم مشافهة هي من أهم وسائل الارتقاء بشخصياتهم وفكرهم. كما أنّ إفراط الأبناء في استخدام الوسائط الإلكترونية منذ صغرهم دون رقيب أوجد ألفة بينهم لما تحتويه من مواد جاذبة تستثير وجدانهم وتتماهى مع غزارة خيالهم وتستنفر عواطفهم وهذه في الغالب مواد منتجة باللغة الإنجليزية. وأخيراً هناك مسؤولية كبيرة تقع بشكل مباشر على القطاع الخاص الذي يشترط إجادة اللغة الإنجليزية أساساً للحصول على وظيفة مرموقة مع أن غالبية عملائه عرب! إنّ لغتنا العربية هي لغة الحضارة منذ ولادتها ولن تشيخ أبداً، وهذا ليس تعصباً، بل حقيقة شهد بها الغرباء قبل الأقرباء، يقول المؤرخ الفرنسي الشهير أرنست رينان: (اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة). * استعارة العنوان من الأديب الألماني: فريتاج.