مما لا شك فيه أن الأمتين العربية والإسلامية تتعرضان لهجمة شرسة منبعها الأول هو انكفاء تلك الأمتين على نفسيهما وانشغالهما بالقشور والتناحر وحرث الماضي وعلكه ونسيان الحاضر ومستحقاته، والتخلف عن ركب الحضارة المنطلقة بسرعة متناهية تتطلب موارد وأسواقا وعمالة؛ لذلك تزداد الفجوة اتساعاً بين الشمال والجنوب. وعلى الرغم مما تفرزه تلك الحضارة من منجزات ونظم وقوانين قيمة إلاّ ان دول العالم الثالث لازالت بعيدة كل البعد عن الأخذ بمنطلقات الحضارة المعاصرة والسبب الرئيسي يكمن داخل تلك الدول حيث سوء الإدارة والفساد والولاء للأجنبي والانبهار بالآخر، واحتقار الذات والمحسوبية. لابد من اتخاذ جميع المناسبات حافزاً للمحافظة على لغة القرآن ولغة الأدب ولغة الثقافة ولغة الشعر ولغة الفصاحة وغيرها من المعطيات وحمايتها من الهجمة التي تسعى إلى تمييعها وتفتيتها وتهميشها من خلال فعاليات ووسائل مختلفة إن الدول المختلفة تسعى لتحقيق مصالحها بالسياسة إن أمكن وإلاّ بالقوة عند الضرورة وفوق ذلك فإن الأمتين العربية والإسلامية مستهدفتان من قبل قوى باغية هدفها ليس تحقيق المصالح فقط بل هدفها الأبعد تدمير تلك الأمتين بجميع الوسائل والسبل لذلك فهم يستهدفون تقويض الأركان التي تقوم عليها الأمة والتي تتمثل في: * اللغة والثقافة والتاريخ. * الوحدة الوطنية والولاء والانتماء. * الاستقلال والسيادة والعزة والكرامة. * الهوية الدينية والوطنية. * جميع أسباب المنعة والتقدم. * السمعة والمكانة العالمية. * القوة الاقتصادية والعوامل المؤدية إليها. * التعليم ومرتكزاته ومراحله المختلفة. إن الهجمة الصهيونية على الأمتين العربية والإسلامية تأخذ أبعادها ومبرراتها من خلال الحرص على مصلحة إسرائيل التي زرعت في قلب تلك الأوطان والشعوب وهم يعلمون ان مستقبل إسرائيل مرهون بتخلف وتشتت وضعف الشعوب والدول العربية الإسلامية؛ لأنهم يعرفون ان تقدم تلك الأمتين ووحدة صفوفهما وتكامل مصالحهما هو التهديد المباشر لبقاء تلك الدولة العنصرية التي لا يربطها بهذه الأرض أية رابط سوى الاغتصاب. ولأن الحديث عن تلك الأركان مجتمعة يطول فسوف أقصر هذا المقال على الركن الأول المتمثل في استهداف اللغة العربية والثقافة العربية وذلك بمناسبة ان الأممالمتحدة ممثلة بمنظمة اليونسكو قد أقرت يوم (18) ديسمبر من كل عام كيوم عالمي للغة العربية والذي كان للمملكة دور رئيسي في تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية ولغات العمل في الأممالمتحدة وهذا إنجاز كبير تفخر به المملكة. ومن هذا المنطلق لابد من اتخاذ جميع المناسبات حافزاً للمحافظة على لغة القرآن ولغة الأدب ولغة الثقافة ولغة الشعر ولغة الفصاحة وغيرها من المعطيات وحمايتها من الهجمة التي تسعى إلى تمييعها وتفتيتها وتهميشها من خلال فعاليات ووسائل مختلفة تقودها جمعيات ومؤسسات وجماعات وأفراد والسبب ان اللغة أساس بنيان الأمم فلا توجد معرفة بلا لغة ولا ثقافة بلا لغة ولا هوية بلا لغة. ولا موروث بلا لغة ولا تاريخ بلا لغة، ولا آثار بلا لغة؛ فاللغة عبارة عن الوعاء الذي تنصهر فيه كل تلك المشتقات ومفرداتها وتكون من خلالها ثقافة وهوية الأمة.. ولعل من أهم وسائل محاربة اللغة العربية ما يلي: * العمل على تجذير استخدام اللهجات الدارجة في كل قطر بل في كل مقاطعة في كل دولة من دول العالم العربي، والعمل على تغييب اللغة الفصحى بكل الوسائل والسبل وذلك في كثير من الممارسات الإعلامية والفنية والثقافية مثل الروايات والأغاني والقصص وغيرها والعمل على جعل كل قوم ينتصرون للهجتهم وذلك تمهيداً لاقتلاعهم من جذورهم وتفتيت وحدتهم ناهيك عن بروز دعوات إلى تبني اللهجات الدارجة في التعليم وغيره من الفعاليات وذلك لتطبيق المثل القائل أمة لا لغة ولا ماض لها ليس لها حاضر ولا مستقبل وذلك كله نكاية بلغة الضاد التي تجمع العرب من المحيط إلى الخليج بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان والعمل دؤوب لمنع هذه الأمة من العودة إلى الصدارة وإحياء مجدها التليد إلى درجة أن لنا مدنية سلفت سنحييها وإن دثرت ولو في وجهنا وقفت دهاة الإنس والجان الأماني أصبحت تحارب وتهمش فدهاة الإنس والجان يقفون حجر عثرة أمام الأمة بكل ما يملكون من قوة علمية واستخباراتية وعسكرية وعملاء وجواسيس وغيرها من الوسائل. * العمل على عدم الاهتمام باللغة العربية من خلال التركيز على تكريه النشء فيها ويدخل في ذلك تخريج أجيال لا تجيد الكتابة ولا القراءة ناهيك عن قواعد اللغة والعمل على استبدالها بغيرها. * الاتجاه إلى جعل لغة التدريس في الجامعات باللغة الانجليزية وذلك تحت طائلة ان أغلب المراجع خصوصاً العلمية منها لا تتوفر باللغة العربية وهذه مقولة حق أريد بها باطل والباطل هو أن تستمر اللغة العربية فقيرة بالمحتوى العلمي وان تظل المرجعية للغات الأخرى. * تبني الشعر الشعبي ورصد الجوائز الكبرى له وذلك نكاية بالشعر الفصيح الذي أصبح يتوارى خجلاً من قلة متابعيه ومريديه ومنشديه بعد أن أصبح للشعر الشعبي نتيجة لتلك التوجهات قاعدة عريضة تتبناه وتتابعه وتشجعه. والدعوة قائمة لادخاله ضمن المناهج الدراسية بعد أن أصبحت وسائل الإعلام مرتعاً له ناهيك عن دعوة بعض القوم لهذا التوجه. * جميع أمم العالم تستميت في سبيل المحافظة على هويتها ولغتها وثقافتها المميزة لها لأن اللغة عنوان الأمة وعنوان كرامتها ولهذا يندر أن تجد غير اللغة القومية للدولة في الاعلانات أو المطاعم أو الطرق ويندر أن تجد اسماء أجنبية للمنشآت والمؤسسات والشركات المحلية، وإذا وجد شيء من هذا فإنه يكون على استحياء وللضرورة القصوى ومن زار اليابان أو الصين أو كوريا أو كل دولة من الدول الأوروبية يشاهد ذلك حتى مستعمرة هونج كونج التي خضعت للاستعمار البريطاني لأكثر من مئة عام ولم تعد للسيادة الصينية إلا عام (1999) تسير جميع فعالياتها باللغة الصينية. أما في بلاد لغة الضاد فإن اللغة العربية تعاني الأمرين من منافسة المصطلحات الأجنبية في تسمية مراكز التسوق والفنادق ووسائل النقل والمحلات التجارية وأسماء المؤسسات والشركات واللوحات الإعلانية والإرشادية والمطاعم وقوائم الطعام والمنتجات المختلفة وكأن الشعب الأصلي يتكلم لغتين أو أكثر وكلّ منها له صفة رسمية يقرها النظام أو الدستور. ولهذا فإن اللغة العربية اليوم كاليتيمة التي تحتاج إلى محسن يضمد جراحها فهي تبتهل وتشتكي حيث يقول حافظ إبراهيم على لسانها: أرى كل يوم في الجرائد مزلقاً من الموت يدنيني بغير أناتي سرت لوثة الافرنج فيها كما سرى لعاب الافاعي في مسيل فراتي فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة مشكّلة الالوان مختلفات أيطربكم من جانب الغرب ناعب ينادي بوأدي في ربيع حياتي أيهجرني قومي عفا الله عنهم إلى لغة لم تتصل برواة إلى معشر الكتاب والجمع حافل بسطت رجائي بعد بسط شكاتي أما نزار قباني فيقول في قصيدته اللغة المستحيلة: الكاتب في وطني يتكلم كل لغات العالم إلا اللغة العربية.. فلدينا لغة مرعبة قد سدوا فيها كل ثقوب الحرية!! والله المستعان..