أغلب ما أكتبه يدور حول الشعر والكتابة وهموم الثقافة، فمثل هذه الأمور تستهويني، وأجد متعة الكتابة تتجلى أمامي بأجمل صورها حينما أخوض غمار هذه المعارف، غير أن الهزات السياسية والصراعات المذهبية التي تعصف بالمنطقة العربية منذ أوائل 2011 م حتى وقت كتابة هذه الأسطر جعلت الجميع في دائرة الأحداث، وصار الجميع منا يتابع عبر شاشات التلفزة ووسائل السوشيال ميديا المتنوعة، حيث الأخبار العاجلة المفزعة بما تحمله من أنباء القتل والدمار، وما يحمله الفضاء المفتوح من نزوح وتشريد، الأمر الذي يجعل المرء يشعر بأن ما يُراد للمنطقة من تغيير لم يأتِ بعد، وكأن كل هذه الأحداث تجهيزات أولية لِمَا سنشهده في قابل الأيام. هناك يقين تام، ربما يشاركني فيه كثيرون بأن ليس كل ما يُخطط له من الدول الكبرى والمنظمات السرية من الممكن أن يقع، لأن العمل للبشر، بينما خواتيم الأمور بيد الخالق المتصرف سبحانه وتعالى في شؤون هذا الكون، وكأني أستمع إلى صوت الشاعر العربي العباسي أبي تمام حبيب بن أوس الطائي الذي قال عن فتح عمورية مخترقاً كل تلك السنين وهو يعبر حواجز الزمن: حتى إذ مخّضَ الله السنين لها مخْضَ البخيلةِ كانت زبدةَ الحقبِ كأن المنطقة أشبه بالصميل الممتلئ باللبن الذي هو الأحداث والتقلبات والصراعات، ولعل الله ينعم علينا بما ينتجه هذا الصميل الذي ترجُّه يد الأقدار ليأتي بما تشتهيه الأنفس وتهواه القلوب وتقرُّ لرؤيته العيون. هذا الأمل الذي يداعب النفوس لا يمنعنا من تأمل حال السياسيين العرب الذين أوصلوا المنطقة لهذه الحالة من التصارع والتشرذم البغيض. هناك وهم خاطئ لا يزال يراود بعض السياسيين العرب، وهو إمكانية الاستفادة من السياسة المرنة، وأن الخلافات السياسية الحاصلة بين الدول المتنفذة في هذا العالم من الإمكان الاستفادة منها عن طريق استغلالها لصالح العرب، وذلك من خلال المرور بين تفاصيل الأمور، واللعب بالتناقضات للوصول إلى الهدف المنشود. هذا الوهم السياسي مردّه يعود لمخلفات الحرب الباردة الحاصلة بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، المعسكر الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ورائها منظمة حلف الناتو، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي ومن ورائه حلف وارسو، وهذا الوهم الحاصل في السياسة يوحي بأن الفكر السياسي العربي يعيش حالة من الموت السريري، لأن العالم الغربي تحركه العقيدة الدينية التي ترسم رؤيته السياسية، رغم أنه يرفع شعارات العلمنة والليبرالية وفصل الدين عن السياسة، إذ يعمل وفق الماديات والمعطيات لتحقيق المبتغى الرؤوي لهذه العقيدة، بينما السياسي العربي يتعامل مع السياسة من زاوية المادة بينما العقيدة الدينية لا تشغل لديه الحيّز المكاني المفروض أن تتبوأه من أولوياته السياسية، هذا الفشل لا يقتصر على الساسة من الحكام أو من هم في أماكن صنع القرار، بل حتى في جانب المعارضة، إذ إن الجميع يتطلع للخارج. فالسياسي يريد التأييد والمعارض يتطلع للمساعدة، وكأن الدول الكبرى جمعيات خيرية توزع المساعدات الإنسانية على مستحقيها من المحتاجين والضعفاء، علماً بأن هذه الدول رغم ما بينها من خلافات من السهل أن تجتمع على العرب بكل بساطة بين عشية وضحاها، لأن الذي يوحد هذه الدول ذات المطامع الاستعمارية والمصالح الإمبريالية مخالفتها الدينية والعقائدية لنا في المقام الأول، وثانياً طمع هذه الدول الكبرى الشديد في خيرات المنطقة وحاجتها لموارد هذه الأمة، وما هذه الخلافات الظاهرة فيما بينها في كيفية التعامل مع الملفات العربية إنما يعود وينحصر في أسلوب وصولها لهذه الموارد، وفي كيفية استحواذها على تلك الخيرات المتنوعة التي اجتبى بها الخالق الكريم هذه المنطقة دون كثير من البلدان والشعوب في هذا العالم. هذه نظرات سياسية لرجل لا يعمل في السياسة، إنما يراقب المشهد، ويرصد الأحداث، وعليه يحاول تقييم الوضع بما فتحه الله عليه من رؤية خاصة به، آمل أنها وصلت للقارئ الكريم دون عناء أو مشقة.