أُعلِنت ميزانية 2017م يوم الخميس الماضي وكانت الأعين تترقب ما تحمله من تباشير وخبايا لفك طلاسم غامضة أسهمت فيها الإشاعات التي بُنِيَت على توقعات تميل أكثر للتشاؤم بناءً على تقلبات الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية عالمياً، ونحن جزء لا يتجزأ من تلك المنظومة، كيف لا ودخلنا يعتمد بنسبة عالية على النفط وهو ما يتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث من تغيرات في السوق العالمي، قبل البدء في الحديث عن مخرجات الميزانية لابد أن نُشيد بمستوى الشفافية والإفصاح الذي كان واضحاً وجلياً من خلال المؤتمر الذي عُقد بعد الإعلان عن الميزانية بحضور أغلب معالي الوزراء المعنيين بالنشر والإفصاح عن البرامج والتوزيعات لبنود الميزانية والتطورات الحالية والمستقبلية، وكان هذا الحدث الأبرز، حيث لم نشهده خلال السنوات الماضية حيث كان المجتمع يعيش في ضبابية وتقوده الشائعات بخلاف ما حدث، وهذا يعزز المشاركة لكل أطياف المجتمع في معرفة ما يمس مصيره من قرارات سلباً أم إيجاباً، ويفتح له الأفق لمزيد من الطمأنينة. أهم مخرجات الميزانية برنامجا (التوازن المالي وبطاقة المواطن)، الأول منهما يستهدف أن نصل إلى ميزانية متوازنة بحلول عام (2020) م، بدأنا نلمس شيئاً من مخرجات برنامج التوازن المالي في ميزانية عام 2016م، حيث تم توفير 100 مليار ريال ضمن برنامج ترشيد الإنفاق بحسب ما أشار إليه «معالي وزير المالية»، وتم التوفير في صرف المبلغ المقدر للنفقات من 840 مليار ريال إلى مبلغ فعلي 825 ملياراً للمرة الأولى آخر عشر سنوات، فيما انخفض العجز المقدر ب326 مليار ريال إلى 297 ملياراً، وهو أقل من 10 % من الناتج المحلي الإجمالي، ميزانية 2017 تستهدف خفض العجز بنسبة 33 % مقارنة مع العام السابق، حيث سيسهم في تخفيض العجز بنسبة أقل من 7.5 % لإجمالي الناتج المحلي، وهذا يحتاج إلى عمل شاق ومبادرات معقولة ومقبولة للتطبيق، فيما (التحدي الأكبر) الذي يواجه الدولة قبل عام 2020 الوصول للهدف (3 %)، وهو المعيار للتصنيف كاقتصاد قوي ومتين في الدول المتقدمة وبالذات مجموعة العشرين، البرنامج يركز على التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ومتنوع يهتم بتخفيف الأعباء على الحكومة وتحويل بعض المشاريع إلى القطاع الخاص، وهذا يسهم في استدامة النمو بالقطاع الخاص والاستمرار في برنامج الإصلاحات والتقشف وترشيد النفقات بالذات في قطاع الطاقة، وحسبما نوَّه إليه وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بوجود هدر من 200 إلى 300 مليار ريال في السنة بالإمكان تحويل جزء منها إلى الاهتمام بمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة والاستعانة بالطاقة البديلة المتوفرة في الطاقة الشمسية والرياح المتجددة التي ستوفر للمملكة ما يزيد على 10 جيجاوات تقريباً خلال السنوات الخمس المقبلة، أيضاً يجب الاهتمام بالكفاءة في تنويع الاستثمارات وترتيب الأولويات في تنفيذ المشاريع حسب استراتيجيات برنامج التحول الوطني لتنمية الواردات غير النفطية التي يتوقع أن تصل إلى 212 ملياراً بنهاية عام 2017م، ربما الأهم في هذه المرحلة هو مرحلة تخصيص 16 جهة حكومية من بينها المطارات والموانئ والمياه والكهرباء والأندية الرياضية، وهذا سيثري القطاع الخاص، حيث سيتم ضخ مبلغ 200 مليار ريال لدعمه في تحقيق الكفاءة المطلوبة وتحمُّل جزء من أعمال الحكومة والدخول في صناعات مهمة بالمشاركة مع شركات عالمية تم توقيع عقود معها لدعم تنوع الاقتصاد وبالذات في الصناعات العسكرية والتقنية والسيارات والطاقة، ونتمنى أن يتم التوقيع مع شركات عالمية في قطاعي الصحة والتعليم، وبالذات تصنيع الأجهزة والوسائل لتوفير جزء كبير من ميزانية الدولة التي يذهب جُلها لهذين القطاعين، حيث من المقرر أن تستأثر ب 36 % من ميزانية 2017، أما فرض الرسوم على الوافدين فالهدف واضح بترشيد استخدام العمالة، والتحول إلى التقنية تدريجياً، وأيضاً التحول إلى المواطن بديلاً للعامل الوافد غير المهم، والمبلغ المستقطع له معايير، يفضل أن يكون بنسبة وتناسب مع إجمالي الدخل للعامل لتحقيق العدالة، ولعله من المناسب أن يتم فرض رسوم على التحويلات للخارج وإعطاء مرونة وحوافز لاستثمار مدخراتهم داخلياً. البرنامج الآخر الذي أثلج صدور الطبقتين المتوسطة والأدنى هو (صندوق المواطن)، حيث سيتم دعمه بمبلغ 25 مليار ريال هذا العام، فيما يصل الإجمالي 60 ملياراً عام 2020، وهو ما سيكون درعاً يحميهم من تحمُّل أعباء زيادة أسعار الطاقة، بل سيسهم في توفير جزء من الدخل متى ما بدأوا في التفكير بترشيد النفقات، ولكن الحد الأعلى لسقف الطبقة المتوسطة غير منصف، وكان من الأولى أن يمتد إلى 40 ألف ريال ويتم تحديد الدخل فقط للعائل لأنه هو من سيتولى الصرف على الالتزامات بغض النظر عن أي مدخرات أخرى تدخل على أفراد الأسرة. تبقَّى أن نشير إلى الاهتمام بتوسيع دائرة التنافسية في مختلف النشاطات ومنع الاحتكار بتنوع المنتجات والصناعات المحلية ومعالجة الخلل في كثير من قطاعاتنا التجارية والصناعية لتتناغم مع رؤية 2030م، وهذا يأتي بالضغط على المصنِّعين وكبار التجار وبالذات الجملة والتجزئة لتخفيض الأعباء المالية العالية التي تؤثر في قيمة السلع والمنتجات والتسعير العادل، بالإضافة إلى المراقبة المكثفة من الجهات الحكومية المعنية للوصول إلى فاتورة عادلة يستطيع أن يتعايش معها المواطن بكفاءة ورغد وضمان (المستقبل) الآمن.