من عيوب نظامنا الصحي المحلي أنه مولد لمزيد من «المراضة» والتعقيدات المرتبطة بالمرض، وذلك مرتبط بتفاصيل الخدمة وإشكالياتها الإدارية والفنية كالمركزية وضعف التأهيل العلمي والفساد وغيرها. كيف يكون الأمر إذن عندما يمر هذا النظام بمرحلة انتقالية نسميها برنامج تحول أو ترشيداً أو ما شئت من مسميات لم تنته بعد إلى مشهد واضح المعالم والتفاصيل. أكتب هذا المقال إثر حديث مع بعض الأطباء الاستشاريين من مناطق مختلفة عن تأثر المرضى – خاصة في المناطق الطرفية – بالوضع الانتقالي الراهن، وإليكم هنا شيئاً من ذلك. تعاني المناطق الطرفية من غياب للمختبرات المركزية وتتطلب نتائج التحاليل بالمتوسط ثلاثة أشهر للعودة بالسلامة حتى يحكم عليها طبيب استشاري – إن وجد -، يقوم بعدها بطلب دواء تخصصي من الوزارة التي عادت بغرض الترشيد للنظام المركزي في الصرف لينتظر المريض عدة أشهر أخرى للحصول على الدواء. يحصل هذا في حق مرضى الكبد والكلى والروماتيزم وغيرها. هذا الأداء لن يطيقه المريض غالبا ولن ينتظر كل هذا الوقت فهو أمام خيار التوجه للقطاع الخاص داخل البلد أو خارجه، وما يترتب على ذلك من إرهاق مادي للناس، أو يقتضي بطلب من المريض أو بتوجيه الطبيب تحويلاً للمراكز التخصصية في الرياضوجدة والدمام لتجد الوزارة نفسها أمام هدر التحويل وأوامر الإركاب وهي التي هربت مما تظنه هدراً عندما أمرت بمركزية الصرف. وهناك احتمال تضاعف المرض في فترة الانتظار هذه مما يجعل حالة المريض مهددة لحياته فضلاً عن تكاليف أكثر في معالجة حالة متقدمة. وهكذا تكون الصورة واضحة كيف يصبح النظام الصحي في مرحلته الانتقالية ولاداً لمزيد من الخلل والمضاعفات. إن هذه الأعداد التي تتفاقم بهذه الكيفية ستصبح عما قريب عبئاً على الخدمة الطبية وتربك التخطيط الصحي الذي لن يستطيع مواكبة حال المستفيدين من الخدمة وهذا لن يخدم الغرض الاقتصادي ولا الاجتماعي المتوقع من برامج الخصخصة المقبلة وتقاطعاتها مع الواقع. إذا أضفنا للسيناريو السابق إشكاليات النقص الشديد في الكوادر الطبية المتخصصة، وضعف الرواتب الجاذبة للمناطق الطرفية دون معالجات نوعية لهذه المشكلات المزمنة، والضغط الكبير على مقدمي الخدمة في الميدان من كل اتجاه، فإن التسارع الكبير في وجود هذه المعضلات ومعاناة المواطنين إثرها تدعو صاحب القرار إلى التحرك العاجل والاستثنائي لاحتواء الأمر بالتوازي مع المشروع الهادئ والطموح مشروع التحول الوطني 2020 والرؤية 2030. من الحلول التي وردت على لسان هؤلاء الأطباء إلغاء مركزية صرف الأدوية التخصصية وإيجاد آلية بديلة للرقابة، كذلك التعاقد مع مختبرات القطاع الخاص لعمل التحاليل التخصصية لتكون النتائج في عدة أيام بدلاً من أشهر، ومن ذلك وضع سياسة تجبر القطاع الطبي الخاص على تقديم خدماته النوعية في الأطراف لتجد الخصخصة المقبلة موضع قدم لها هناك. ومن الحلول على مستوى الكوادر البشرية المرونة في التعاقد الجزئي مع كفاءات كليات الطب الناشئة في المناطق الطرفية، وكلها تفتقد المستشفيات الجامعية ولا تقدم كوادرها سوى التعليم دون المعالجة. إن هذه الحلول وغيرها مما يمكن أن تجود به عقول المهتمين من الأهمية بمكان لسد الثغرات الناشئة من خلل قديم في النظام لم يخدم المناطق الطرفية بشكل كاف، وللثغرات الجديدة الناتجة عن التحول في الفكر المدير للتنمية في الوطن والصحة منه في شأن بارز. مرة أخرى.. فإن إصلاح الشأن الصحي في وطننا يحتاج وقتاً طويلاً لكن من الضروري عدم السماح بأن يكون النظام منتجاً للخلل من داخله في كل مراحله.. والسؤال كيف؟