الأخلاقُ بذور، والنفس تربتُها التي فيها تحيا وتترعرع وتؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها محبةً وأمناً وسلاماً. ولكي تنمو هذه البذور وتزدهر لا بد لها من ماء يرويها، وماؤها نهر جارٍ من القيم ومكارم الأخلاق، ينبع من قلب أمٍّ، وبصيرة أبٍ، فإذا ما شبَّ الطفل قليلاً اتسعت دائرة تلك الروافد لتشمل محيط الأسرة، والمدرسة والمسجد والمركز، فيغدو كفرخ طير لما اشتدّ عوده، وقويَ جناحاه انطلق محلّقاً في فضائه ترقبه عيون أبويه، وتكتنفه عناية الرحمن. وكما أن لكل نبات معمّر جذوره الضاربة في الأرض، ولكل بناء شامخ قاعدة صلبة تحميه من التصدع، فإنّ قاعدة الأخلاق وجذرها القوي هو الاحترام الذي يجب أن نغرسه في الطفل حتى يكون سمة متأصلة في شخصيته، فماذا يعني الاحترام؟. الاحترام هو أنْ يقدّر الإنسان ذاته، ويستشعر كرامته مِمَنْ خلقه بيديه، وأسْجَدَ له ملائكته، وسخّر له ما في الأرض جميعاً، وجعله خليفته، والملِك في أرضه، وحيث إنّه لا يليق بالملوك إلّا أنْ يكونوا الأسمى نفوساً والأكرم خُلقاً، فهكذا الإنسان يجب أن يكون. فإذا ما تشربت النّفس هذه المكرمة، طاب القاع، وتناسلت القِيم النّبيلة كما تتناسل قمحة في سنبلة مباركة، وأنِفتْ أنْ تكون على غير شاكلتها، فلا تُرى إلّا نبيلة الخصال، ولا يَعبُر إليها إلّا ما كان يشبهها، حينئذ يصبح كل ما دونها من قيم هو معول هدم في جدار إنسانيتها ليختلط الحقّ بالباطل، ومع الوقت يتخلق من الخليط جنينٌ مشوّه، فإنْ لم تُستأصل تشوهاتُه في حينِها تَعمْلَقَ وصار شرّاً مستطيراً يهبط بالإنسان إلى أحط الدركات. إن واقعنا يُخيّرنا بين أنْ نحيا بسلام أو أنْ نكون جميعنا حطباً للنّار، ذاك أمر مردّه إلينا، فحريٌّ بنا أنْ نحترم ذواتنا، ونزِنَ أخلاقنا وسلوكنا بمعيار كرامتنا، فإن فعلنا فقد نجونا وإلا فإن الآتي إعصار تلتهم ناره خيارَنا قبل شِرارنا.