العالم يشهد اليوم بشكل ظاهر تحطيما لحقوق الانسان على أرض الواقع، فحياة الانسان فضلا عن كرامته مهدرة بشكل معتاد. إن من أهم حقوق الإنسان بعد الحياة الكرامة، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). ولذلك جاء الاسلام بالمساواة دون اعتبار مؤثر بالفوارق في الأرزاق والأعمار والألوان والأعراق بل كانت مظهرا لعظمة الخالق وحكمته في إعمار الكون في إطار من التعايش والتعاون والتكامل. قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقال:(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين). إن حياة الأجساد تقوم بالغذاء، والنفوس تقوم بالتكريم وتموت بالإذلال والقهر والإهانة، ولذلك نهى النبي عن ضرب الوجه لأنه موضع كرامة للإنسان. ونهى الله عما يحط من كرامة الانسان قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). فنهى الله تعالى المؤمنين عن السخرية من الآخرين، فلعلَّ مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار واستخفاف؛ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من الساخر الَّذي يعتقد بنفسه الكمال، كما نهى الله عن السوء والشتم بالألفاظ القبيحة، لأن ذلك يوقع البغضاء، ويتجه بالناس إلى منزلقات الجاهلية. فالسخرية لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بالعُجْبِ والتكبُّر، وسخرية الإنسان من أخيه الإنسان معول هدم للعلاقات الإنسانية، قال تعالى: (وقولوا للناس حسنا)، وقال تعالى: (ولا تلمِزوا أنفسَكُم) فإذا عاب غيره من المؤمنين فكأنما يعيب نفسه، واللمز هو العيب، ومن اللمز التنابز بالألقاب الَّتي يكرهها أصحابها، ويُحِسُّون بأن إطلاقها عليهم ما هو إلا من قبيل السخرية. كما نهى الله عن إساءة الظنِّ بالناس والشكَّ بهم، أو التجسُّس على حياتهم الخاصَّة وتتبُّع نقائصهم، أو التحدُّث عنهم بما يكرهون، أو نقل كلام بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم، وشبَّه الله هذه الأعمال بما فيها من قبح وأذى، بأكل لحوم الأخ المقرَّب بعد موته، وأمرنا أن نتَّقي هذه الموبقات، وأن نقتلع جذورها من أعماقنا. وحتى المملوك حفظ الاسلام كرامته.. فعن المعرور بن سويد قال (لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال إني ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لي النبي (صلى الله عليه وسلم) يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم) رواه البخاري. فكرامة الانسان محور رئيس في الاسلام، ومن واجب الحكومات الحفاظ على كرامة الانسان فيها، وحق الكرامة ثابت لجميع بني البشر، ومتى فشا في الناس العنصرية كأن يتعالى المرء ببيئته، أو قبيلته، أو عشيرته، وطائفته، ومكانته، وماله، ومنصبه، فقد ضربت كرامة الانسان حينها في مقتل، فالذي يتعالى بشيء، وينظر إلى الناس باحتقار وكبر إنما يقيم الجاهلية. إن حق الكرامة مرتبط بالشعور بالاحترام للآخر وعدم إهانته أو احتقاره، والشعور بالكرامة من الدوافع والحاجات الإنسانية التي يسعى إليها كل إنسان وهذا النوع من الحاجات له جانب متعلق باحترام النفس وقيمتها الذاتية، وجانب يتعلق بالحاجة إلى اكتساب الاحترام والتقدير من الخارج ويشمل الحاجة إلى اكتساب احترام الآخرين السمعة الحسنة. وبتطور السن والنضج يصبح الجانب الأول أكثر قيمة وأهمية للإنسان من الجانب الثاني، والتكريم بحد ذاته ظاهرة حضارية وقوة دفع، تجعل المكرمين في حالة من التقدم والعطاء، وانتهاك حق الإنسان في الكرامة واحتقاره واهانته يضعف مشاعر الانتماء والعطاء ويشعل الكراهية والعداء في النفوس.