أثار المقال السابق المعنون ب (غيِّر أفكارك تتغيَّر حياتك) ردود فعل جميلة، بينت لي وعياً مجتمعياً وتعاملاً فكرياً ونمطاً أدبياً وطرح ًعلمياً وصلني عبر أكثر من وسيلة اتصال. أكثر ما أعجبني في تلك التعليقات والردود، وكلها جميلة، أسلوب التفكير الناقد والنقاش الراقي. هذه التعليقات توافقت مع ورود عدد من الرسائل النصية والمرئية عن قصص ومواقف تحصل في المجتمع السعودي ويتم تصوير المجتمع وأهله بصورة سيئة، ومن تلك الرسائل بعض المقاطع الكوميدية وبعض النكات والدعابات التي قد يظن مؤلفها وناشرها أن أثرها لا يتعدى الضحك والترفيه. ما يجهله كثير من الناس أن لمثل هذه الرسائل تأثيرها الفكري السلبي على المتلقي، وأن تكرارها وانتشارها وتداولها سبب من أسباب تعميق الفكر السلبي حول النفس والمجتمع. كثير من المقاطع والأخبار تتنتشر بين الناس لغرابتها أو لأن هذا النوع من المواد الإعلامية هو الأكثر إثارة، فالبشر بطبعهم يمكن أن يتداولوا خبر ضرب معلم لطالب وينتشر بشكل كبير وعلى مستوى واسع ولفترة زمنية طويلة، ولن يتم نفس الانتشار والنقاش لخبر معلم يكرِّم طلبته. متخصصو الإعلام يستخدمون هذه الطريقة كثيراً منطلقين من فلسفة أن الناس تبحث عن خبر رجل يعض كلباً لكن لن يلقوا بالاً لخبر عن أن كلباً عض رجلاً! الغاية لا تبرر الوسيلة، فالهدف من الانتشار لا يبرر أن ننشر ونتناقل تلك الرسائل والمقاطع التي تصور الشاب السعودي والمجتمع السعودي بصورة سلبية، نعم قد يكون عدد من السعوديين فيهم تلك الصفات، وبالتأكيد ليس كل السعوديين ولا أغلب السعوديين يتصفون بتلك الصفات. فعندما ينتشر أن السعودي يحتقر المرأة أو غير رومنسي في تعامله مع زوجته، أو أن المرأة السعودية ليست جميلة ويتم مقارنتها ببعض النساء من جنسيات أخرى أو أن شبابنا لا يمكن الاعتماد عليهم كلها رسائل سلبية، تكرار تلك الرسائل يؤكدها في عقلنا الباطن ونصبح نأخذها كمسلمات دون أن نبني آراءنا على إحصاءات أو دراسات علمية موثوقة. يحكى أن ألف جندي أمريكي أسروا في حربهم مع الكوريين وتم وضعهم في سجن مشابه لغيره من السجون الأخرى، وكان الغريب في هذا السجن أن عدد الوفيات يفوق غيره من السجون الأخرى، وأن حالات الوفاة طبيعية. هذه الحالة دعت إلى الاستفها م ومعرفة الأسباب ما دفع الأمريكان لتقصي الأمر ومعرفة الأسباب، وظهرت نتائج لم تكن متوقعة. ما توصلت له التحقيقات أنه قد تم التركيز على الجنود الأمريكان بحيث يتم تغذيتهم بالأخبار السلبية بشكل مكثف ولا يصل لهم إلا الأخبار السيئة، وكانوا يؤمرون أن يقصوا على الآخرين قصصاً وذكريات سيئة منها كثير مرتبط بالخذلان والضعف والخيانة، أيضاً كانوا يحثون السجناء على التجسس على بعضهم بعضاً ومن يقوم بالتجسس على زميل وينقل أخباره يحصل على مكافأة. فتم تحليل هذه النتائج وتفسيرها بأن هذا الأسلوب أدى إلى أن الأخبار السيئة تفقدهم الأمل والرغبة في النجاة، كما أن الجنود يفقدون احترامهم لأنفسهم واحترام الآخرين لهم وعزة النفس لأنهم يشعرون بالمهانة والدونية. الرسائل التي تصلنا تؤثر على تفكيرنا وتقولبه وتؤثر فيه بشكل غير مباشر، فهناك دائماً رسائل مبطنة يفهمها المتخصصون والمهتمون بعلم النفس فيتم الاستفادة منهم في نشر الرسائل التي يرغب بها من يريد تغيير فكر وحياة أي مجتمع.