إنّه لَمشهد يُبهج النّفس، وينشّطُ البدنَ، ويفتحُ مساماتٍ للحبّ وذلك حينَ تمرّ في شارع تجاري يغُصّ بأجمل اللّوحات الإعلانية، فتبدو وكأنّها فتيات يستعرضن جمالهن أمام لجنة تحكيم، فتقفزُ من بينهن واحدةٌ بوجه فتاة ريفيّة تزيّنت بأطواقِ الورد وقلائدِ الّزهر، فلو ركّزت نظرك قليلاً فستبقى في مخيّلتك حتى بعد أن تصل إلى وجهتك، وسترتسم على وجهك ابتسامة، ويعتريك التفاؤل. فإذا كان الصيف في نظر البعض عدوّاً للجمال، لأنّه يجرّد حدائقنا من جمالها ونضارتها، ويبدّل حالها من شباب فتّان إلى جفاف وتصحّر، فقدْ آن لنا أنْ نستثمر هذا الغياب، ونسارعَ لزراعة الأزهار في بيوتنا مهما صغُرت المساحةُ التي نملُكها فالزهور تمنحُ عطاياها بالتساوي. إن بيئتنا الصحراوية غيرُ مؤهلة لتربية الأزهار في بعض الفصول، وهذه حقيقة، لكنّها تستقبلُ منها أرتالاً تأتيها من كلّ أنحاء الدّنيا، وتحتضنها بكلّ لهفة في المواسمَ الأخرى، كما في هذا الموسم الّذي يفتر فيه غضبُ الشّمس، وتهدأ أنفاسُ الصّيف، ويعتدلُ الطقسُ، ويتهيأ باطنُ الأرضِ لاحتضانِ أجملِ وأرَقِّ مخلوقات الله. لقد ثبت علمياً أنّ العطور التي نشمّها تنبّهُ نقاطاً معينة فيما يُسمى بمركز السّيطرة العاطفيّة في الدماغ، فنشعرُ بالفرح، وهذا ما يُفسّر سببَ الانشراح الّذي نحسّ به عندما نشمُّ روائحَ عطرية كالزهور على سبيل المثال، كما أنّ للألوان تأثيراً مشابهاً على أمزجتنا ونشاطنا الجسدي والعقليّ حتى أصبح العلاجُ بالألوان أحدَ أساليب الطّب النّفسي. وبما أنّنا نعيش الآن موسماً يتعانق فيه العطر مع اللّون ليؤلفا لغة عالمية تستعصي منافستها من كلّ اللغات، فمن الأجدر أنْ تكونَ باقة من الزّهور هي خيارنا الأول لإهداءاتنا المختلفة، فالزّهور عبقرية في التعبير عنّا. ما رأيكم في أنْ يقتني كلّ واحد منّا هذا المساء زهرتين، يحتفظ بواحدة، ويهدي الأخرى لشخص يهمُه أمره، ثمّ يكتب تجربته شعراً، أو نثراً، أو رسماً، أو..؟.