كانت مدينة رأس الخير الصناعية عبارة عن تلال رملية تذروها الرياح، وأرض سبخة متوغلة في مياه الخليج العربي، فأضحت اليوم مجمعاً عملاقاً للصناعات التعدينية في المملكة. ونتيجة ضخ الحكومة للملاءة المالية؛ أنشأت من خلالها ترسانة مصانع عملاقة واستثمرت فيها مبالغ طائلة تتجاوز 130 مليار ريال؛ كانت كفيلة بأن تحول الأرض الجرداء الخالية والمجدبة عديمة الفائدة إلى مركز عملاق للصناعات التعدينية يشار إليه بالبنان على مستوى العالم. ومن المنتظر أن تشهد المملكة قفزة وتحولاً صناعياً كبيراً خلال السنوات القلية القادمة نظير الاستثمارات الصناعية المتنامية، والبنية التحتية والدعم اللوجستي، الذي تقدمه الحكومة والمتزامن مع رؤية المملكة 2030م. ومن بين أهم المشاريع الداعمة لقيام كيان مدينة رأس الخير، مشاريع الصناعات التعدينية التابعة لشركة التعدين العربية السعودية «معادن»، حيث من المتوقع بعد اكتمالها ووصولها لطاقتها الإنتاجية القصوى أن تعزز مكانة المملكة كلاعب رئيس في أسواق الفوسفات والألومونيوم، فضلاً عن المعادن الأخرى كالذهب والنحاس والمعادن الصناعية. وتستثمر المملكة حالياً في ثلاثة مشاريع كبرى للفوسفات والألومونيوم، وهي مشاريع فريدة من نوعها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، كونها مشاريع صناعية تعدينية، تبدأ من المنجم إلى المنتج النهائي. وفي هذا الصدد، قال نائب مدير التشغيل لشركة التعدين العربية السعودية «معادن» المهندس أسامة الغامدي، إن الاستثمار في المعادن يعتبر مصدراً ثالثاً لدعم اقتصاد المملكة، حيث بدأت في تصدير منتجات الفوسفات إلى مختلف دول العالم من بينها؛ أستراليا ونيوزيلندا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأضاف: «واصلت المملكة تصدرها لقائمة إنتاج الأسمدة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يشكل إنتاجها 44% من إجمالي الأسمدة الكيماوية بأسواق المنطقة، وذلك بحسب تقرير مؤشرات صناعة الأسمدة لعام 2015م الصادر حديثاً عن الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات «جيبكا»، حيث أشار التقرير إلى أن الطاقة الإنتاجية الحالية للمملكة من الأسمدة تصل إلى 16.7 مليون طن، بارتفاع بلغت نسبته 51% مقارنة بمستواها في العقد الماضي مدفوعة بالطلب الكبير على الأسمدة في أسواق التصدير الخارجية بسبب النمو السكاني. وينظر إلى مجمع «معادن للفوسفات» في مدينة رأس الخير الصناعية كواحدٍ من أكبر المشاريع العالمية المتكاملة لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية بمواصفات عالمية؛ إذ تعمل شركة معادن على استخراج الفوسفات ومعالجته وتصنيعه وتصديره، ويقدر إنتاجها حالياً بثلاثة ملايين طن سنوياً تشكل نحو 10% من حجم الأسمدة الفوسفاتية المتداولة في الأسواق العالمية. وتنتج «معادن» اثنين من الأسمدة الفوسفاتية الأكثر استخداماً على نطاق واسع في الزراعة الحديثة هما ثنائي فوسفات الأمونيوم «DAP»، وأحادي فوسفات الأمونيوم «MAP»، كما يملك المجمع القدرة على إنتاج مركبات فوسفاتية أخرى تحتوي على عنصر الكبريت، يتم إنتاجها لمواكبة احتياجات الأسواق العالمية المختلفة. وبلغة الأرقام فإن إنتاج شركة معادن من الأسمدة يسهم في تسميد حوالي 70 مليون هكتار من أراضي زراعة الحبوب، التي يقدر إنتاجها بنحو 200 مليون طن من الحبوب تكفي لغذاء حوالي 500 مليون إنسان سنوياً، وتمتد شبكة تصدير منتجات معادن من الفوسفات ومشتقاته إلى الدول الآسيوية، وأستراليا، وشرق إفريقيا، وجنوب أمريكا اللاتينية. وإذا كانت هذه الإنجازات قد تُوجت بوضع مجمع «معادن للفوسفات» في مصاف المشاريع الرائدة عالمياً في هذا المجال؛ فإنه على المستوى الوطني قد نجح في توفير 1700 وظيفة مباشرة للسعوديين في هذا المجمع، وتبلغ تكلفته الإجمالية 21 مليار ريال، ويمتد نطاق عمله من أقصى الشمال، وتحديداً من حزم الجلاميد، وصولاً إلى مدينة رأس الخير الصناعية بالمنطقة الشرقية، وتبلغ حصة شركة معادن في المشروع 70%، فيما تملك الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» نسبة ال30% الباقية. ويحتوي موقع حزم الجلاميد على منجم للفوسفات ومصنع لرفع نسبة تركيز الخام، بالإضافة إلى أنظمة المنافع الصناعية، وتبلغ مساحة المنجم 49 كيلو متراً مربعاً، وهو يقع في منطقة الحدود الشمالية بالمملكة العربية السعودية على بعد 120 كيلو متراً على الطريق الدولي ما بين مدينتي طريف وعرعر، ويقدر إنتاج المنجم من الخام بنحو 11 مليون طن في السنة، أما المصنع فتقدر طاقته الإنتاجية السنوية بنحو خمسة ملايين طن من مركزات الفوسفات الجافة. وتشير التقديرات إلى أن الاحتياطات المتوفرة في منطقة رخصة التعدين في حزم الجلاميد تصل إلى نحو 250 مليون طن، ولايزال التنقيب جارياً لتعزيز هذه الاحتياطات، كما يحتوي المشروع على بنية تحتية صناعية متكاملة لدعم عمليات التعدين وتركيز الخام، تشمل محطة للطاقة الكهربائية، ومرافق لإنتاج ومعالجة وتوزيع المياه، والطرق والاتصالات والمرافق السكنية. ويتم نقل مركزات الفوسفات عن طريق السكك الحديدية من حزم الجلاميد إلى رأس الخير في المنطقة الشرقية. ويضم مجمع «معادن للفوسفات» في مدينة رأس الخير الصناعية أربعة مصانع بمواصفات عالمية حديثة، تقوم بتصنيع الفوسفات، وتحويله إلى منتجات مهمة، وهذه المصانع هي: مصنع أحادي وثنائي فوسفات الأمونيوم، وطاقته الإنتاجية ثلاثة ملايين طن سنوياً، ويعمل المصنع من خلال عدد من الوحدات تضم: وحدة مفاعلة حامض الفوسفوريك مع الأمونيا، ووحدة إنتاج الحبيبات «التحبيب»، ووحدة التجفيف، ووحدة الطحن والمناولة والرجيع، ووحدة التخزين والنقل. ومصنع حامض الفوسفوريك، وينتج المصنع حوالى 4.1 مليون طن سنوياً، ويضم عدداً من الأقسام والوحدات، التي تعالج الفوسفات، وتضم أقسامه: وحدة مداولة الخام وتركيزها، ووحدات التفاعل والترشيح، ووحدات تركيز الحامض، ومصنع حامض الكبريتيك، وتبلغ طاقته الإنتاجية نحو 4.5 مليون طن سنوياً، ويضم عدداً من الوحدات الإنتاجية، منها: وحدة استقبال وتخزين الكبريت المنصهر، ووحدة أفران حرق الكبريت، ووحدة أبراج الامتصاص وتحويل تركيز الحامض، ووحدة تخزين الحامض. ومصنع الأمونيا، وينتج حوالي 1.1 مليون طن سنوياً، كما يحتوي المصنع على عدد من وحدات استقبال الفوسفات هي: وحدة استقبال وتحويل الغاز الطبيعي، ووحدة تحويل وغسل الغازات وإنتاج الهيدروجين، ووحدة أبراج تحويل أكسيد الكربون الأحادي لثاني أكسيد الكربون، ووحدة إنتاج الأمونيا السائلة وتخزينها. ويستخدم الفوسفات في عديد من الصناعات الكيميائية وأهمها تحضير عنصر الفسفور وحامض الفسفور المستعمل في الصناعات التعدينية والحربية والطبية والغذائية والخزفية والنسيج والثقاب، ويذهب معظم الفوسفات المستخرج لصناعة الأسمدة لزيادة المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى إمكانية استخراج بعض المعادن النادرة، والمشعة، ومن بين هذه العناصر يوجد اليورانيوم كمنتج جانبي يمكن الحصول عليه أثناء تحويل الفوسفات إلى أسمدة حمض فسفور وتحتوي خامات الفسفور الصحراوي على 200 جرام من اليورانيوم في الطن الواحد.