يتساءل كثيرون عن وسائل بناء الشخصية القادرة على مواجهة التحديات والقادرة على اكتشاف التغييب والتغريب والتزييف، الشخصية الناضجة، المتمكنة، التي تتمتع بالاستقلالية الفكرية، لتتجنب عوالم مفتوحة تحاول أن تنزع منها هويتها وتحاول أن تتحكم في عقلها وأن توجه سلوكياتها، وأن تفرض عليها ثقافات معينة وقيما دخيلة، وهي في مجملها ثقافات استهلاكية تهدف إلى جعل الإنسان هدفا دائما وسهلا لعالم مادي متوحش، تديره إمبراطوريات تجارية، تصنع من الإنسان في كل بقاع الكون كائنا استهلاكيا يبحث عن الكماليات، أو هي مجموعة من الأفكار التي يحاول بعض عن طريقها توجيهه نحو تبني رأي والقيام بسلوك معين أو ما يدخل في إطار غسيل الدماغ والسيطرة على العقل. إن الوعي هو السبيل والسلاح الوحيد للمواجهة، والوعي هو الحالة العقلية التي تمكن الإنسان من إدراك وفهم الواقع والوقائع التي تجري من حوله، المنفذ الذي يتيح للإنسان إدراك الحقائق وتسهل على أي فرد أن يكون ملما بتفاصيل المشهد حوله مهما كان نوع ذلك المشهد سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا،… إلخ، ففي تلك الحالة يصبح الإنسان أكثر قدرة على اتخاذ القرار وبناء الرأي في المجالات والقضايا المختلفة، الوعي هو الحصيلة الفكرية للعقل البشري التي تجعل الإنسان أكثر تمكنا وقدرة في استخدام مهاراته، مثل إجراء مقارنات تعتمد على الفهم والتفسير والربط والتحليل واستخلاص النتائج. الوعي هو الغربال الذي يعين الفرد على «الفلترة» الذهنية لما يدور حوله، يميز، ويصنف، ويفهم ويدرك. ولأن الوعي هو الطريقة الوحيدة التي تمكن الإنسان من مواجهة أعاصير التغريب ورياح التغييب وطوفان التلاعب بالهوية، وعمليات غسيل الدماغ، وأساليب السيطرة على العقول، هنالك على الدوام جهات تهدف إلى صناعة وعي زائف، تضلل عن طريقه المستهدفين. وخطورة الوعي الزائف أنه يجعل الفرد غير قادر على رؤية الأمور على حقيقتها، عاجزا عن إدراك الصواب من الخطأ، فيميل بالتالي إلى تبني أحكام خاطئة، لأنه يعتمد على معايير غير موضوعية، وصور ذهنية مغلوطة. فالغالبية العظمى من الناس تقع تحت طائلة المؤثرات التي تصنع حالة الوعي الزائف، حيث تتشكل حالة من العقل الجمعي، يصبح بوجودها من الصعب إخراج الناس مما يعتنقونه كمسلمات ويؤمنون به إيمانا أشبه بالثوابت لا يمكن أن ينازعهم أحد في مصداقيتها أو حتى دفعهم إلى مراجعة ما يتبنونه من أفكار تصنع لديهم إدراكهم للواقع ومعطياته. وفي رأيي أن من أهم عوامل أو مسببات بناء الوعي الزائف هي وسائل الإعلام المختلفة، التي يظن المتعاطي معها أنها تقدم له خدمة مجانية ولا يعلم بأن المؤسسات الإعلامية ليست جهات بر أو خير، هي لا تمنح دون مقابل، ولا تقدم خدمات مجانية، إنها تسعى في أغلب الأوقات إلى الربح المادي، أو إلى إخضاع جمهورها إلى مؤثرات معنية بهدف بناء رأي عام، أو عقلية جمعية، تساند قضية أو فكرة أو تعتنق توجها سياسيا أو تخدم أشخاصا أو جهات. وإن كان هدفها ماديا مجردا، هي تصنع لجمهورها عوالم افتراضية تنزعهم من واقعهم، وتجردهم من قيمهم ومن ثقافاتهم ليكونوا مدينين ومدمنين للصور التي تبثها، غير مدركين لحقيقة أن ما يدمنونه بمقابل هو تجريدهم من الواقع ومن الحقائق، وجعلهم ضحايا لتلك المواد المسمومة التي يستقبلون عن طريقها رسائل ضمنية في غاية الخطورة، تدفعهم بعيدا عن واقعهم ومحيطهم وقضاياهم وتحديات مجتمعاتهم حتى إذا بثت مثل تلك المؤسسات قضية حقيقية، كان تأثير دورها محدودا، لأن المشاهد يبحث عن متعة بصرية وترفيهية، لا تخاطب عقله ولكن تخاطب أحاسيسه. المؤسسات الإعلامية خطورتها تتمثل في أنها تحتضن جميع وسائل بناء الوعي الزائف، من الكتاب والمثقفين والأدباء والفنانين وحتى من المرجعيات الدينية. فبالرغم من أن المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية، قادرة على بناء الوعي إلا أن دور الإعلام قادر على الانتصار في تلك المعركة وهزيمة أي منافس، والأحداث التي تجري على الساحة العربية والإقليمية أكبر مؤشرات انتصار الإعلام في بناء الوعي الزائف، ولأن الإعلام لديه هذه الهيمنة على العقول، دخل إعلام التواصل الاجتماعي طرفا في الحرب الموجهة لبناء الوعي الزائف. إن قدرة الفرد على مواجهة ذلك تبدأ بالبحث عن المعرفة، وتنويع مصادرها ومتابعة أكثر من وسيلة إعلامية والتعرف على الجهات التي تقف خلف تمويل بعض المؤسسات الإعلامية ليتعرف على هدفها.