أعلم تماماً بأنَّ المرأةَ السعوديَّة قادرةٌ على مواجهة الهجمة الشَّرسة الممنهجة ضدَّها في الصُّحف الورقيَّة ومواقعها الإلكترونيَّة وفي جهاتِ التَّواصل الاجتماعيِّ، بل هي الأقدر على مواجهتها من الرجل، ففي السُّعوديَّات مثقَّفاتٌ وأكاديميَّاتٌ وباحثاتٌ وأديباتٌ بإمكانات وقدرات وأدوات تمكِّنهنَّ من التصدِّي لحملة الإساءة إليهنَّ، ومع علمي بذلك فكثيراً ما شعرتُ بأنِّي لا أحتمل السُّكوت على الإساءة إليهنَّ، فعلَّقتُ ورددتُ على محرِّكي هذه الحملة في مواقعها، وكتبتُ المقالةَ والقصيدةَ لكشفِ زيف حملتهم مستهجناً ومواجهاً كتَّابها ومعلِّقيها. تُوَاجَهُ المرأةُ السعوديَّةُ بالتهريج وتُشَوَّهُ بنكتِ أشباه الرجال؛ بهدف جعل حقوقها ومطالباتها موضوعاتٍ تلوكها الألسنُ وتتناقلها الأجهزة الذكيَّة بتظرُّف سامج وتميّعها بتوجُّهٍ ساذج، فتحيلها لنكتةٍ عابرة تَسلبها أبسطَ حقوقها وتشوِّه أسمى منجزاتها، وإن هي واجهتْ هذه الحملة الشرسة ضدَّها شكَّك المرجفون بوطنيَّتها، ونُسِبَتْ لأصولٍ متجنِّسة، فيما مطالبُها محصورةٌ بأن تُحْتَرَمَ حقوقها ومنجزاتها وفكرها وكيانها، فصناعةُ النكتة تتطلَّبُ ذكاءً، وهذا ما يفتقده مُسْتَهْدِفُو المرأةَ السعوديَّة من أبناء وطنها ومن خارجه، ومن تلك ما يطلقونه مستخدمين تقنيات إلكترونيِّة لإرساله لأكبر شريحةٍ من النَّاس عن دراساتٍ مزيَّفةٍ تتناول المرأةَ السعودية يُعدُّها أفرادٌ مناوئون للوطن ودولٌ تناصبه العداء فتدَّعي اعتمادها على استفتاءات مزعومة؛ ولِتُوهِمَ بمصداقية دراساتها ترفع نسبة عيِّناتها وتضخِّمُ نتائجها مخفيةً أسماء جهات إعدادها بحجَّة الحفاظ على علاقات الصداقات بين الدول، وسواءٌ أكانت هذه الدراساتُ المزعومة والمزيَّفة تقف مع حقوق المرأة ومطالباتها أو تقف ضدَّها فإنَّها تسيء لها ولوطنها. وعموماً ففنُّ الإتيكيت يعني القدرةَ على الإحساس بمشاعر الآخرين، والتُّصرُّف بذوقٍ وبلباقة، فأبرزُ قواعد السلوك الراقي هي المعرفة بكيفيَّة تجنُّب إيذاء الآخرين في مشاعرهم، والابتعاد عمَّا يثير أحزانهم ويبعث في نفوسهم الضيق والقلق، فاللَّباقةُ في الحديث والكتابة من أهمّ قواعد التَّعامل مع الآخرين؛ وفيهما لا بدَّ من استحضار معيار الاحترام كحقٍّ مفروضٍ على المتحدِّث والكاتب تجاه الآخر مهما كانت مشاعره تجاهه، فحقوقُ الإنسان تتمحورُ حول هذا الحقِّ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، وفي كلِّ مجالات الحياة ومستويات العلاقات ومحرِّكاتها مع الآخر؛ لذا فتربية النشء على احترام ذواتهم تضمن احترامهم حقوق الآخرين كمسؤوليَّة ثقافيَّة وتربويَّة واجتماعيَّة. أجزم تماماً أنَّ المشاركين في حملةِ تشويه المرأة السعوديَّة في حقوقها ومطالباتها وفي كيانها الشخصيِّ دوراً أسريّاً ومسؤوليَّة اجتماعيَّة وملامحَ خَلْقِيَّة وخُلُقِيَّة معمِّمين ذلك وأسوأ منه على نساء الوطن إنَّما يعكسون مشكلاتهم الخاصَّة، ويكشفون عن ضعفِ تعاملهم مع المرأة للتوصُّل لعلاقاتٍ أسريَّة متوازنة تحفزها لتظهرَ ملاكاً بشريّاً ينشر حوله الحبَّ والجمالَ والحنانَ والعطفَ بصورها الأنثويَّة الفطريَّة التي تتطلَّبها الحياةُ الأسريَّة، فأشباه الرجال يريدونها كياناً خانعاً ضعيفاً جاهلاً ملبياً لرغباتهم صابراً على إعاقاتهم التربويَّة والاجتماعيَّة، لا تُظهر جوانبَ تفوُّقها العقليِّ والثقافيِّ والفكريِّ والاجتماعيِّ، فتلك يعدُّونها طعناتٍ في رجولتهم، فتتولَّد في نفوسهم المريضة ردَّاتُ فعلٍ بالإساءة إليهنَّ كحالاتٍ خاصَّة، ومن ثمَّ يعمِّمون ذلك وبأسماء مستعارة تحسُّباً خوفاً منها ومن انكشافهم بدائرة العيب الاجتماعيِّ لظهورهم ضعفاء غير قادرين على إدارة حياتهم الأسريَّة والاجتماعيَّة. لقد أثبتتْ الدراساتُ العلميَّة النفسيَّة والتربويَّة والاجتماعيَّة بأنَّ المرأةَ أكثرُ من الرجل صبراً على منغِّصات الحياة الأسريَّة والاجتماعيَّة، وأقدرُ تحمُّلاً منه لمشكلات الحياة ومعوِّقات مساراتها، وأكبرُ تضحيةً براحتها وبطموحاتها وبآمالها في سبيل الحفاظ على أسرتها متماسكةً هادئة مستقرَّة، وأسمى مثابرة على حماية أسرتها وطموحاتها ما مكَّنتها ظروفها الاجتماعيَّة لذلك، علماً أنَّها الأقلُّ غالباً من الرجل بإمكاناتها الماديَّة والأضعف منه بدورها الأسريِّ والاجتماعيِّ، ولكنَّها تصرُّ على النجاح في مسؤوليَّاتها وأدوارها الأسريَّة والتربويَّة والاجتماعيَّة والعمليَّة وإن افتقدت مساندة الرجل، بل وإن وقف ضدَّها متسلِّطاً ظنّاً بأنَّه يعكس بذلك قوَّته ورجولته، وهو إنَّما يوحي بذلك بضعفٍ يستره بموقفه هذا، فيما المرأةُ لا تضعف إلاَّ بحالاتٍ نادرة لا يجوز تعميمها على جنسها، ولا يأتي ضعفها إلَّا بعد محاولاتٍ ومحاولاتٍ؛ فقد يتسرَّب اليأسُ أو الوهنُ لمشاعرها، وقد تخرج من ذلك لحلولٍ لا ترغبها ولكنَّها مخارج اضطراريَّة لها. كما أَثْبَتَتْ الدراساتُ العلميَّةُ النفسيَّة والتربويَّة والاجتماعيَّة أيضاً بأنَّ الرجلَ المتسِّلط في أسرته المنسحب من أدواره ومسؤوليَّاته المعتمد على المرأة في النهوض بها نيابةً عنه هو ضعيفٌ بذاته يفتقد ثقته بنفسه، تحرِّكه أنانيَّته وجهله ليمارس التسلُّط ليخفيهما وضعفه، وقد يعجز عن إخفاء ذلك فيظنُّ أنَّه بمشاركته بحملة تشويه المرأة والإساءة إليها إنَّما ينفِّسُ عن مكنوناتٍ بنفسه من عقدٍ نفسيَّة وتربويَّة واجتماعيَّة تسلَّلت إليها عبر مراحل نشأته ولم يتخلَّصْ منها حينها أو بعد تكوينه أسرته الصغيرة، بل إنَّها قد تتنامى وتتشابك كلَّما أحسُّ بأنَّ لدى شريكته إمكاناتٍ وقدراتٍ تفوقه، وتتعقَّد الحياة بينهما فلا يجد حرجاً من مشاركته في الحملة الشرسة الممنهجة ضدَّ المرأة السعوديَّة، فيفتحُ لأعداء الوطن مداخلَ للإساءة لها وللوطن من خلال ذلك. تبلورتْ هذه الحملةُ الممنهجةُ ضدَّ المرأة السعوديَّة بمقالاتٍ وتعليقاتٍ وتغريداتٍ سامجةٍ ساذجةٍ مستهجنة، وأنا لا أبرِّئ المرأة من قصور وتقصير، ولكن تلك حالات نادرة لا تستدعي التعميمات ضدَّها، فكيدُ المرأة سلاحٌ خفيٌّ وقوَّة ناعمة تعدُّ أبرز خصائص أنوثتها، ولا تلجأ إليها إلا مضطرَّة حين شعورها بخطرٍ يهدد كيانها أو ينال من اعتبارها وأسرتها، فاحذروا يا أشباه الرجال من كيد النساء، وخذوا بقوله عليه الصلاة والسلام: «رفقاً بالقوارير»، فلن يجد من أراد تصوير المرأة بما أودع الله فيها من رقَّة الأنوثة وجمال الإنسانيَّة وعذوبة الروح وتألُّق النفس عبارة توحي بذلك كما أوحت به العبارةُ النبويَّة على قائلها أفضل الصلاة والسلام.