حدثني أحد الرفاق وهو (مزمجر) يتساءل عن الفائدة التي تعود على المنظومة التعليمية من التمتع بإجازة منتصف الترم (الخريف والطف يا لطيف)، صديقي يقول بأن ابنه في المرحلة الابتدائية اتصل عليه الساعة التاسعة صباحاً يوم الأحد الماضي ليخبرني بأن الموجودين في الصف 5 طلاب فقط وأنه يريد العودة للمنزل، وهذا الحديث قبل أسبوع من بدء الإجازة الرسمية. وفتحنا الحوار كمجموعة من الآباء عن إيجابيات وسلبيات هذا القرار حيث كان هنالك مؤيدون ممن يحب الاستمتاع بالسفر واللهو حتى ولو كان على حساب المحصلة النهائية للطلبة الذين عادوا للدراسة قبل شهرين من إجازة ال 4 شهور، سرحوا ومرحوا فيها حتى كادوا أن ينسوا عناوين مدارسهم أو أي مرحلة دراسية وصلوا! ولا أعتقد بأن لها مثيلا في أي بقعة على وجه الأرض إلا في بلاد تعاني من ويلات الحروب كفانا الله شرورها. أحد المشاركين يبلغنا بأن إخوته وأسرهم غادروا المملكة في رحلة استجمام ابتدأت بنهاية الأسبوع الماضي لمدة 18 يوما أي قبل أسبوع من الإجازة المقررة وبعدها بعدة أيام.. معها تذكرت إحصائية لمن غادر البلاد في مثل هذا الوقت العام الماضي الذي تعدى المليون مسافر تقريبا تم فيها صرف 3 مليارات ريال تقريباً، ربما هذا لا يعنينا الآن مقارنة بحجم الضرر والآثار السلبية على أبنائنا ونحن نزرع فيهم اللامبالاة بالأنظمة والانضباط وخلق جيل لا يقدر ولا يحترم الوقت ولا النظام، وهنا تبادر للذهن فلسفة تاييشي أوهونو (كايزن) اليابانية (التحسين المستمر) التي تزرع في عقول النشء منذ الصغر الاعتمادية والالتزام والانضباط وأخلاقيات العمل والاحترام هي أساسيات لمظاهر الحياة المتطورة في المجتمع الياباني، لن أسترسل في كل ما يحدث في تلك المنابر التي تخلق جيل الابتكار والاختراعات والصناعات المتطورة لبلد تجاوز فيه الناتج المحلي (4 ترليون دولار أمريكي) وتوطين العمالة أكثر من (%99) ولكن لنلق نظرة على شيء من ممارساته اليومية، فعندما يبدأ الطالب يومه الدراسي بنظافة المدرسة وما جاورها بالإضافة إلى وقت الإفطار الذي يتم فيه تقسيم الطلاب لمجموعات تقوم بتحضير الإفطار وتناوله بشكل جماعي، وغسل الأواني والمطبخ بعد ذلك ومن ثم التوجه إلى دورات المياه وتنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون مباشرة، هذه مظاهر من يوم طويل يبدأ الساعة الثامنة وينتهي الساعة الرابعة عصرا يتم فيه تعليمه العمل بكافة المجالات بدون خجل ولا وجل ولا غطرسة ولا تكبر حيث تجتمع كافة الطبقات الاجتماعية في تلك المدرسة وهذا ما جعل عامل النظافة مثلا يحظى بالاحترام ويثمن عمله في المجتمع حتى أن راتبه يتعدى (5 آلاف دولار أمريكي) ويلقب بالمهندس تقديرا لمكانته، فيما نحن على النقيض كمجتمع مرفه نزرع في صغارنا التحايل على الأنظمة والتقاعس عن أداء مهامنا بإتقان، وعدم الحرص على مستقبل ثماره ستعود على مملكتنا وعلى مجتمعنا فيما لو اجتهدنا وأعطينا بسخاء لتطوير قدراتنا وانفتاحنا على العالم المتقدم لنقتبس من مدارسهم وفلسفة حياتهم ما يعيننا على أن نغير كثيرا من معتقداتنا وصولا للغاية العظمى بلد منتج يسعى لتطوير موارده البشرية ويكون مؤهلا للابتكار والتكيف وإحداث التغيير بالعمل في كافة الوظائف حسب قدراتنا التي وهبها لنا خالقنا حتى ولو كان عامل نظافة ليخلو بلدنا من بطالة في بلد تتجاوز العمالة الأجنبية فيه 10 ملايين وتحويلات تتجاوز 120 مليار ريال.